مع ان الاهتمام الاقليمي والدولي تحول في اليومين الاخيرين في اتجاه القمة المفصلية في واشنطن وكمب ديفيد بين الرئيس الاميركي وقادة دول الخليج العربي على وقع محاولة التوافق على استراتيجية رادعة للتوسع الايراني في المنطقة، فان زيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى سوتشي للقاء نظيره سيرغي لافروف والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدت على صلة وثيقة بهذه القمة. فالى موضوع اوكرانيا الذي يشكل ولا يزال موضوع الخلاف الاساسي بين الولايات المتحدة وروسيا على خلفية ضم روسيا القرم فيما بات هم الولايات المتحدة راهنا وقف النار من دون الاشارة الى القرم، فان موضوعا اساسيا آخر شكل محور المحادثات وهو موضوع الازمة السورية. اذ اخذ الموضوع السوري حيزا مهما ولافتا في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الوزيران الاميركي والروسي وكان ثمة تعمد في الاشارة الى تفاصيل في البحث بينهما. فاهتم المتابعون بما قاله لافروف عن “تقارب في المواقف بين موسكو وواشنطن حول سبل تسوية الازمة السورية” (ما مدى صحة ذلك ومن اقترب من من؟)، وبما قاله كيري عن اتفاقه مع نظيره الروسي من اجل البحث عن “رؤى ملموسة” في شأن سوريا في الاسابيع المقبلة وان سوريا لن تصبح دولة سلام ما لم يتم الانتقال السياسي للسلطة”.
ينقل مطلعون في بيروت معلومات عن تهيّب اميركي حقيقي من التطورات الاخيرة التي حصلت في سوريا ان من جهة تقدم المعارضة في مناطق استراتيجية بما عبر ولا يزال عن تراجع قدرة النظام السوري أو لجهة الانهيار في القيادات الامنية تبعا لما احاط بموت رستم غزالي وإقالة رفيق شحاده واصابة علي مملوك بجلطة على رغم اعادته الى الضوء في زيارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بوروجردي لدمشق في محاولته التأكيد ان النظام لا يزال قائما وان ايران لا تزال على دعمها له. وذلك علما ان معلومات تواترت عن زيارة وزير الدفاع السوري الى ايران اخيرا من اجل طلب المساعدة المادية وان هذا الطلب لم يحظ بالنجاح وليس من مصلحة ايران تهاوي النظام قبل الانتهاء من انجاز الاتفاق النهائي حول الملف النووي. فالانهيار في القيادات الامنية يمكن ان يؤثر على تماسك أفراد الجيش والقوى الامنية ويمكن ان يمهد لفرارهم أو يسرّع انشقاقهم. فالتهيب يأتي من حرص اميركي على الا يفرط النظام نهائيا وينفرط عقد الجيش تبعا للانهيارات في داخله فيما كل السياسة الاميركية خلال الاعوام الاربعة من عمر الازمة السورية مبنية على واقع ترك هيكلية امنية قائمة ومنع انهيارها من اجل الافساح في المجال امام امكان اعادة تأهيلها والبناء عليها وعدم الوقوع في الفوضى. فتسارع الامور الميدانية يبدو انه شكل انذاراً بحيث لا يمكن ان تترك الامور عرضة للمفاجآت وتاليا قد تكون حافزا من اجل القيام بما يلزم استعداداً لاحتمال مماثل.
وثمة توقعات لدى هؤلاء المطلعين سابقة لمحاولة كيري اعادة ترطيب العلاقات مع روسيا في هذه المرحلة بعدم استبعاد موافقة واشنطن على فرض منطقة حظر جوي في سوريا من اجل مساعدة المعارضة المعتدلة واتاحة المجال امام عودة عدد من اللاجئين السوريين. فهناك متغيرات طرأت على الموقف الاميركي بحيث ان سياسة عدم التدخل المعتمدة قد لا تبقى على حالها على رغم ان هناك آراء مطلعين متابعين يستبعدون تعديل اوباما سياسته لهذه الجهة حتى لو كان ذلك في معرض محاولة تقديم اثباتات للدول الخليجية عن صدقية تعهداته بالمساعدة في منع التمدد الايراني في المنطقة. لكن في اي حال فان الامور تسارعت في المنطقة ولم تعد على ايقاع الاتفاق الايراني مع مجموعة الدول الخمس الكبرى زائد المانيا حول الملف النووي الايراني، بل باتت على ايقاع فتح الملفات الاخرى في المنطقة التي تشكل قمة واشنطن وكمب ديفيد محورا اساسيا فيها بحيث بات السباق قائما في مسارين متوازيين لعدم انجاز الاتفاق مع ايران في حزيران المقبل قبل وضع استراتيجية تضع حدا للتوسع الايراني في دول المنطقة.
هذا التسارع في التطورات لا يبدو لبنان بعيدا منه. فعلى رغم انه يغرق في ازماته الذاتية التي لها امتدادات داخلية على غرار ازمة التعيينات الامنية التي يصعد في شأنها التيار الوطني الحر أو انخراط “حزب الله” في حرب جديدة في القلمون السورية وما اثاره من مخاوف من انعكاسات جديدة على الداخل اللبناني، فمن غير المستبعد ارتباط هذين التطورين بما جرى اخيرا في سوريا وما يخشى من حصوله في المدى القريب جدا. اذ تتحدث معلومات عن سيطرة “حزب الله” على القلمون ربطا باعادة التماسك للنظام كما بتأمين طرق التواصل على طريق دمشق تحسبا لكل الاحتمالات وان الغضب الذي تم التعبير عنه ضد الجيش اللبناني لعدم مساعدته الحزب يعود وفق تفسيرات مصادر سياسية الى الرغبة الحقيقية في الحصول على المساعدة فيما لا يبدو محبذا دخول الجيش اللبناني في معارك خارج الاطار المرسوم له. فيما يترك تصعيد التيار العوني من اجل اجراء تعيينات امنية في هذه المرحلة على رغم ان مدة خدمة قائد الجيش العماد جان قهوجي تنتهي في ايلول المقبل انطباعات قوية بانه يخشى تغييرات كبيرة تؤثر على الاوراق أو المطالب التي يتمسك بها.