Site icon IMLebanon

المعضلة السورية بين واشنطن وموسكو

على رغم أنّ بعض المؤشرات يدل على تقارب في وجهات النظر بين واشنطن وموسكو في الكثير من الملفات الدولية، إلّا أنّ أجواء الحذر وعدم الثقة لا تزال تسيطر على العلاقات بين القطبَين الدوليَين.

لا شك أنّ محاولات كبار الديبلوماسيين الاميركيين والروس تبديد أجواء التوتر التي طغت على العلاقة بين بلديهما، لا تزال تصطدم بالكثير من العقبات، إذ إنّ موسكو تعتبر أنه لا يمكن بناء أواصر الثقة مع الغرب مجدَّداً على وقع التهديد بالعقوبات، في حين تنطلق واشنطن في سياساتها مع روسيا من مبدأ الضغط الاقتصادي والحصار السياسي لارغامها على التنازل في بعض الملفات الدولية خصوصاً في الملفين الاوكراني والسوري.

لكنّ صناع السياسة في الكرملين قد اكدوا أكثر من مرة أنّ الضغوط الغربية ستزيد من عزيمتهم على التمسك بمواقفهم بصرف النظر عن النتائج.

ولعلّ خير تعبير عن عمق الخلاف الحاصل بين البلدين هو إعلان نائب رئيس الحكومة الروسية دميتري راغوزين خلال حوار تلفزيوني أنّ «الدبابات الروسية لا تحتاج الى تأشيرات دخول الى الدول الغربية»، وذلك رداً على التلويح مجدّداً بفرض حزمة عقوبات جديدة على منح تأشيرات سفر لعدد من كبار المسؤولين السياسيين في البلاد.

الامر الذي اعتبره مراقبون تهديدا مباشراً، ودليلاً على أنّ موسكو لا تستبعد انتهاج أيّ خيار في علاقاتها مع المحور الغربي، وبأنّ حشر الدب الروسي في الزاوية يمكن أن يدفعه الى العودة لاعتماد سياسة الهجوم، ليس دفاعاً عن النفس فقط بل عن الحلفاء أيضاً، بعد أن اتّبع نهج الدفاع منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في تسعينيات القرن الماضي.

تؤكد اوساط سياسية على صلة بمجلس الدوما الروسي أنّ العلاقات مع واشنطن تمرّ بمرحلة مفصلية، وأنّ الكرملين قد أعدّ خططاً لمواجهة التصعيد الذي تتّبعه واشنطن وحلفاؤها في القارة العجوز تجاه روسيا في حال فشل محاولات رأب الصدع في عملية إعادة تشغيل العلاقات مجدَّداً على مبدأ المساواة والشراكة.

وتعتبر الاوساط أنّ الادارة الاميركية قد تمكنت الى حدٍّ ما من وضع عواصم اوروبية فاعلة على خطوط المواجهة الامامية مع روسيا، علماً أنّ موسكو قد فتحت أبوابها وتعاطت بإيجابية وشفافية مع برلين وباريس بالشأن الأوكراني، خصوصاً ما يتعلق بمصالح القارة العجوز في صياغة اتفاقيات مينسك لإنهاء الازمة بين كييف والدونباس.

وفيما يتعلّق بالأزمة السورية تؤكد الاوساط أنّ جميع العواصم الاوروبية والاقليمية والعربية التي تجري مشاورات مع موسكو باتت مقتنعة تماماً باستحالة الحسم الميداني لصالح أيّ طرف كان من أطراف الصراع، لكنّ إدارة الرئيس الاميركي باراك اوباما لا تزال تراهن على إمكانية إسقاط الرئيس بشار الاسد بقوة السلاح، علماً أنّ هناك معلومات مؤكدة تفيد بأنّ تقارير استخبارية وعسكرية اميركية تؤكد عدمَ قدرة ما يسمى المعارضة المعتدلة على إسقاط النظام السوري نظراً لتعقيدات وتداخل الخريطة الجغرافية الاجتماعية في سوريا، وقد وجهت هذه التقارير المبنية على دراسات لمسرح الميدان في البلاد، الى البيت الابيض لكن بعض اصحاب الرؤوس الحامية هناك يرفض الاخذ بهذه التقارير.

وترى الاوساط أنّ السياسية الأميركية تجاه سوريا تؤدي الى إطالة امد الازمة، وبالتالي الى المزيد من القتل والدمار، الذي يدفع ثمنه الشعب السوري بكلّ فئاته الاجتماعية والدينية والسياسية.

وتعتبر أنّ الحل الوحيد للمعضلة السورية هو أن تدخل المعارضة بحوار مباشر وجدّي مع الحكومة للتوصل الى حلٍّ شامل ودائم للازمة. وترى أنّ تصلّب مواقف بعض اطياف الإئتلاف السوري المعارض ناتج عن سياسات واشنطن، لكن عاجلاً أم آجلاً سيدرك أنْ لا خيار أمامه سوى التفاوض مع الحكومة.

وتؤكد الأوساط أنّ موسكو على اطّلاع دائم على مسار المشاورات التي يجريها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، وأنّ الظروف الحالية مناسبة لعقد الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف للتوصّل الى مبادئ أساسية تمهيداً لحلٍّ نهائي، وأنّ اضاعة هذه الفرصة ستؤدي الى نسف كلّ الجهود الدولية التي بُذلت من أجل إيجاد حلٍّ سياسي للأزمة.