أخيراً حُلَّت عقدة أهل الممانعة وأقدم الرئيس ميقاتي على ما لم يتمكن منه أسلافه مانحاً وزير الأشغال “الحرّيف” برَكة مجلس الوزراء الرسمية، التي أصر عليها ليتفاوض مع سوريا حول الرسوم المفروضة على الشاحنات اللبنانية العابرة فقط للمعابر الشرعية.
برافو دولة الرئيس. هذه أيضاً يمكنك ضمَّها الى سياسة “تدوير الزوايا” الواسعة الذمة. لكنها، للأمانة، تأتي في توقيت مناسب، زمن انتعاش “محور الممانعة” ومباشرة مسار التطبيع مع النظام السوري، ولا أحد سيسجل عليك تنازلاً أو استعجالاً غير مرغوب أو يزايد بتهمة الإضرار بمصالح اللبنانيين. فعسى أن يثمر الانفتاح الواقعي المستجد في حكومة “معاً للانقاذ” عكس ما أنتجته سياسة “النأي بالنفس” من “التباديع”.
يمكن للرئيس ميقاتي ان يحقق للبنان الكثير و”التاريخي” إذا استغل انكسار “الحَرْم” العربي والدولي على نظام الأسد، لينهي كذبة جماعة “8 آذار” وعلى رأسها التيار البرتقالي المستمرة منذ سنين والتي تمتنع عن مواجهة قضية النازحين السوريين، بذريعة ان المعارضين للتطبيع مع بشار الأسد يضعون العصي في الدواليب مدعومين من الأوروبيين والأميركيين.
التكليف الرسمي لوزير “أمل” بحلّ موضوع الرسوم الحيوي يحقق للممانعين رغبة جامحة في العودة الشرعية للإستمتاع بالحضن السوري، منذ فطام دمشق عن الهيمنة على لبنان إثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري، لكنه يضع كل الفريق الحاكم على محك الاختبار، خصوصاً بعد افتخار الشيخ نعيم قاسم بـ”الربح في تشكيل الحكومة الميقاتية”، ما يعني ان حزبه صار الآمر الناهي. فهو صاحب اليد الطولى في مجلس الوزراء ويتفرد بقرارات “السلطة الموازية” من الأمن والحدود حتى القضاء والمازوت.
رغم ابتهاج “حزب الله” برجحان كفة المحور الايراني في المنطقة متجاهلاً ما يعانيه اللبنانيون والسوريون والعراقيون واليمنيون والايرانيون من “رغد عيش” في ظل “الانتصارات”، فإن على الشيخ نعيم أن “يأخذنا بحلمه” قليلاً مستلهماً القول المأثور: “إذا شئت أن تُطاع فاطلب المستطاع”. ومن هنا، حبذا لو يكبت رغبته المعلنة في “تطبيق الدستور”، فيترك لمرحلةٍ لاحقة مطالبة رئيس الحكومة بإعادة “العلاقات المميزة” مع سوريا، علَّ الرئيس ميقاتي يتمكن في ظل الحكومة القصيرة العمر من معالجة “تصريف التفاح”، والطموح الى حلّ كارثة النزوح التي ترخي بثقلها على لبنان بما يحفظ الحقوق الأساسية للعائدين.
لا تستطيع هذه الحكومة ولا الفريق المهيمن فيها التهرب من هذا الاستحقاق. والتجرؤ على الأميركيين الذي يطلبه الشيخ نعيم من ميقاتي يتوجب أن يمارسه فريقه صاحب الفضل ببقاء الرئيس السوري لتغيير سياسته الرافضة إعادة المشردين، ولتأمين ضمانات لهم من الجيش الروسي عساه يعدِّل صورته المرتبطة بإجرام “البراميل”.
يستطيع الرئيس ميقاتي أن يستخدم الانفتاح الرسمي على دمشق، ليس لتمرير الغاز الذي هو قرار أميركي لا فضل لأحد فيه، بل لوضع كل أهل الحكومة وشريكه الأكبر رئيس الجمهورية أمام مسؤولياتهم في مواضيع تشكل حياة او موتاً لمستقبل الدولة والشعب اللبناني، على رأسها المعابر السائبة، ثم ترسيم الحدود، وأهمها إعادة النازحين.
أنتم تدَّعون الانتصار ولديكم رئيس حكومة لا يدوّر زوايا فحسب بل قادر على “جعلكتها”، فدعونا نرى إبداعاتكم وإنجازاتكم بدل بيع الشعارات والإستثمار في التهويل.