IMLebanon

هل حانت عودة النازحين السوريين من لبنان ودول الجوار؟

 

إنتخاب عشرات الآلاف قد يُساهم في مسح «الداخلية»

 

عاد موضوع عودة أو إعادة النازحين السوريين الى بلادهم الى الواجهة، مع مشهد إنتخاب عشرات الآلاف منهم الخميس في السفارة السورية في لبنان. فقد وَفَد النازحون من مختلف المناطق اللبنانية حيث يقيمون في الخيم أو في المباني السكنية لتجديد الإقتراع لرئيسهم بشّار الأسد للمرة الرابعة، فيما التزم كلّ من يُعارض النظام وحَمَل السلاح في وجه جيش بلاده خيمته متخذاً قرار الإمتناع عن التصويت. وفيما رُبط موضوع عودة النازحين السوريين الى بلادهم من لبنان ودول الجوار والعالم بالحلّ السياسي للأزمة السورية، يبدو أنّ هذه العودة سوف تتحرّك أكثر في الأشهر المقبلة، لا سيما بعد الإنتخابات السورية الأخيرة وسيطرة النظام على أكثر من 80 % من مساحة البلاد.

 

وإذ يرى البعض أنّ انتخاب النازحين السوريين للمرة الثانية في لبنان من شأنه أن يُشكّل «إستفتاء» لعدد مناصري النظام السوري في لبنان، وبالتالي تنتفي أمام هؤلاء حجّة الخشية من العودة كونهم فاريّن منه أو حملوا السلاح ضد جيشه، فقد طالب الدولتين اللبنانية والسورية بالعمل على إعادة هؤلاء الى بلادهم في أسرع وقت ممكن. غير أنّ عدداً منهم يجب أن يخضع للتجنيد الإجباري لدى عودته، وهذا ما يُثنيه عن العودة.

 

وترى مصادر سياسية مطلعة بأنّ إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد بعد عشر سنوات على اندلاع الأزمة في بلاده لا سيما من قبل النازحين السوريين في لبنان ودول اللجوء، من شأنه أن يفتح صفحة جديدة أو يؤسّس لمرحلة جديدة سعت اليها روسيا بين النظام وسائر الدول العربية والأجنبية. فصحيح بأنّ جامعة الدول العربية قد علّقت «عضوية سوريا ومشاركتها في اجتماعات مجلس الجامعة اعتباراً من 16 تشرين الثاني 2011 الى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهّداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحلّ الأزمة السورية»، على ما جاء في القرار في حينه، وطالب هذا الأخير بـ «سحب سفراء الدول العربية من دمشق»… لكنّ الأمر تبدّل حتى وإن كانت هذه المشاركة لا تزال «معلّقة»… فقد أعادت الإمارات والبحرين تطبيع العلاقات مع سوريا في أواخر العام 2018، واستعادت العمل في سفارتيها في دمشق… وتنوي دول أخرى تصحيح علاقاتها معها في المرحلة المقبلة، ما يعني أنّ هذه الأخيرة ستشهد إنفتاحاً عربياً «تطبيعياً» باتجاه سوريا، الأمر الذي من شأنه أن يجعل جامعة الدول العربية تتخذ قرار عودة سوريا الى الحضن العربي قريباً.

 

كذلك فإنّ سوريا بقيت طوال سنوات الأزمة عضواً في منظمة الأمم المتحدة، ولم يتمّ تعليق عضويتها في اجتماعات الجمعية العامّة لها، الأمر الذي يجعل الدول الأعضاء في مجلس الأمن والتي «خاصمتها» في السنوات الأخيرة، تعيد حساباتها وتسعى لإعادة العلاقات معها الى طبيعتها.

 

وأكّدت المصادر بأنّ المحادثات السعودية – الإيرانية التي تجري اليوم، وإن كانت لا تزال في المرحلة الإستكشافية، إلاّ أنّها ستنسحب إيجاباً على العلاقات السعودية – السورية. كما أنّ المصالحة التي تحصل بين تركيا والسعودية من جهة، وبين تركيا ومصر من جهة ثانية، ستوسّع دائرة المصالحات في العالم العربي. وهذا يعني بأنّ البحث في مسألة عودة النازحين السوريين من لبنان ودول الجوار أي تركيا ومصر والأردن والعراق سيوضع على طاولة النقاش. وعندها يُصبح تنفيذ الخطة الحكومية لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم أسهل بهدف وقف معاناتهم، واستعادتهم لحياتهم الطبيعية في المناطق التي نزحوا منها.

 

وتجد المصادر نفسها، بأنّه مع إعادة انتخاب السوريين لرئيسهم، وعودة الأمن والإستقرار لأكثر من 80 % من مساحة سوريا، فإنّ إعادة النازحين سوف تبدأ من الدول الأوروبية، كما من دول الجوار. فقد كانت الدنمارك أوّل دول أوروبية تُلغي تصاريح الإقامة لأكثر من 200 لاجىء سوري الشهر الماضي، لأنّ أجزاء في سوريا باتت آمنة بما يكفي لعودة اللاجئين اليها.. وقد اتخذت قراراها هذا رغم أنّها واجهت إنتقادات عدّة من المشرّعين في الإتحاد الأوروبي، ومن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجماعات حقوق الإنسان.

 

أمّا في ألمانيا، فذكرت المصادر، بأنّ معاناة اللاجئين فيها تستمرّ، فبعد ترحيل البعض منهم في السنوات الماضية، أبدت أخيراً تشدّداً كبيراً في استقبال المزيد من اللاجئين السوريين من اليونان، رغم أنّها تصدّرت قائمة دول الإتحاد الأوروبي التي تمّ فيها تقديم طلبات لجوء خلال العام الحالي من جنسيات عدّة. وإذ بلغ إجمالي عدد طلبات اللجوء في دول الإتحاد الأوروبي وسويسرا والنروج نحو 102.674، في الربع الأول من العام الحالي، فإنّ هذا الرقم يُمثّل انخفاضاً أكثر من الثلث مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وقد يعود سبب الإنخفاض إلى جائحة كورونا، أو ربما الى رغبة عدد من السوريين في العودة الى بلادهم.

 

أمّا في دول الجوار، وتحديداً في تركيا فأشارت المصادر الى أنّها توقّعت عودة نحو 800 ألف نازح سوري الى ديارهم خلال هذا العام (2021) والعام المقبل (2022). علماً بأنّ عدد السوريين المقيمين في تركيا يصل الى أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون، بحسب إحصاءات المديرية العامة لإدارة الهجرة لعام 2020. علماً بأنّ عودة النازحين السوريين بشكل آمن وطوعي الى بلادهم يتصدّر أجندة تركيا. وقد عاد في العام الماضي أكثر من 395 ألف سوري من تركيا الى مناطق شرق الفرات بعد عملية «نبع السلام»، رغم أنّ منظمات حقوقية اتهمتها بترحيل اللاجئين السوريين قَسراً الى بلادهم.

 

وفي لبنان، يُقدّر عدد النازحين السوريين المقيمين فيه بنحو مليون ونصف، بحسب التقديرات، فيما تقول المصادر بأنّ تسجيل نسبة ولادات عالية في سنوات النزوح العشر قد رفع هذا العدد. فهناك أكثر من 215حالة ولادة لأطفال سوريين في لبنان بين عامي 2011 و2020، بحسب المعلومات. وقد جرى تسجيل نحو 30 % من هؤلاء الأطفال مع تسهيل الدولة لمسألة تسجيل المواليد الجدد، رغم ذلك فإنّ النسبة تبقى متدنيّة، فيما يبقى 70 % منهم موثّقين بشهادة ولادة وإفادة مختار لكنّها غير مسجّلة. علماً بأنّ هذا الرقم قد لا يكون نهائياً، نظراً لعدم تسجيل الكثير من السوريين الذين يقطنون الخيم لزواجهم في الأساس، فكيف سيُسجّلون حديثي الولادة جرّاء هذا الأخير؟

 

وتقول المصادر عينها بأنّ إعادة مدير العام للأمن العام لنحو 173 ألف نازح سوري الى مناطقهم، بالتعاون مع الروس تطبيقاً للمبادرة الروسية بشأن إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، والتنسيق مع مفوضية اللاجئين في لبنان، سيُستأنف فور اتخاذ القرار السياسي بفتح باب العودة الطوعية الى المناطق الآمنة. فنسبة كبيرة من النازحين السوريين في لبنان تصل الى أكثر من 80% تود العودة الى سوريا خصوصاً مع انهيار الوضع الإقتصادي والمالي في البلاد، وعدم قدرة الدولة اللبنانية على إعالة مواطنيها، فكيف بالمقيمين على أراضيها؟! ولفتت المصادر الى أنّ وزارة الداخلية والبلديات في صدد إجراء إحصاء رسمي للنازحين السوريين في سياق الإستعداد لتطبيق خطة إعادة النازحين التي أقرّتها الحكومة في تمّوز الماضي، بالتعاون مع البلديات وقوى الأمن ووزارة الشؤون الإجتماعية والأمن العام اللبناني، على أن تحصل على بعض البيانات من مفوضية اللاجئين.علماً أنّ هناك 1611 منطقة عقارية في لبنان تستضيف النازحين السوريين.

 

وبناء على هذا الإحصاء سيحصل كلّ نازح سوري على الأراضي اللبنانية على «بطاقة تعريف»، باعتبار أنّه، وبحسب إحصاءات المفوضية يمتلك فقط 20 في المئة من النازحين أوراقاً نظامية في لبنان، في وقت يمكن الحديث عن 73 في المئة من ولادات النازحين غير المسجّلة، مما يحتّم تنظيم ملف النزوح ككلّ لتأمين عودتهم التي ستحصل وفق الخطة التي أقرّها مجلس الوزراء وتتوافق مع القوانين الدولية وتراعي مبدأ عدم الإعادة القسرية.

 

غير أنّ المفوضية لا تمتلك سوى بيانات 865331 ألف نازح سوري مسجّل لديها، بعد أن غادر نحو 135 ألف منهم إمّا الى بلادهم أو الى بلد ثالث، فيما يفضّل النازحون الآخرون عدم التسجيل لكي لا تُعرف أسماؤهم وأماكن سكنهم وتتمّ ملاحقتهم عند الضرورة. ولكن انتخاب عشرات آلاف السوريين في السفارة السورية في لبنان قد يُساهم في إحصاء أسماء هؤلاء في حال تعاونت السفارة السورية وقدّمت اللوائح لوزارة الداخلية والبلديات تسهيلاً لعملها الميداني.

 

وأكّدت المصادر بأنّ هذا الإحصاء سيفرز السوريين بين نازح، وسائح ويد عاملة في لبنان منذ ما قبل النزوح وما بعده. فالكثير من السوريين غادروا لبنان خلال عيد الفطر لتمضية الوقت مع عائلاتهم وذويهم وعادوا الى لبنان. ولهذا لا بدّ من تعداد النازحين بشكل رسمي ليصبح لدى الدولة اللبنانية المعلومات الكافية عن كلّ نازح سوري يقيم على أراضيها، وهو مسعى جدّي لكي تتمكّن من إعادتهم دفعة واحدة عندما تبدأ المفاوضات بهذا الشأن بعد المصالحات والتسويات الإقليمية والدولية.

 

من هنا، تؤكّد المصادر نفسها بأنّ موضوع عودة النازحين وما يتعرّضون له في بعض الدول من مضايقات لا بدّ وأن يحضر على طاولة المناقشات والمحادثات الجارية بين بعض الدول وإيران، وبالتالي بينها وبين سوريا، وقد يأخذ حيّزاً واسعاً على المستوى الدولي. إلاّ أنّ لبنان لا يزال يخشى بأن يتمّ استخدام ورقة توطين النازحين فيه، أو عدد كبير منهم مقابل حصوله على الدعم الدولي لإنقاذه من الإنهيار الكامل. فملف العودة يجب أن يُنسّق مع الحكومة السورية، ومفوضية اللاجئين والمجتمع الدولي، وإذا فُقدت إحدى هذه الحلقات فإنّ إعادتهم تتعرقل.