تُبدي جهات رسمية تخوّفها من بروز تشنجات وتوترات بين اللبنانيين والنازحين السوريين في ضوء تعاظم الانهيار، حتى قبل رفع الدعم عن المواد الأساسية. وذلك لأنّ السوري، مقيماً كان أم نازحاً، يستفيد من هذا الدعم الذي يغطّيه مصرف لبنان وبالتالي من أموال المودعين، فيما أنّ ودائع اللبنانيين في المصارف محجوزة أو مسروقة، وغير معروف ما إذا كان مصرف لبنان بدأ فعلياً في استخدام الاحتياطي الالزامي لديه لدعم تلك المواد أم أنّه اقترب من البدء باستخدامه، وبالتالي استنزاف ما تبقّى من جنى عمر المودعين المُدّخر في المصارف. كذلك، تطرح الجهات الرسمية أسئلة عدة حيال مرحلة ما بعد رفع الدعم، ويرى البعض أنّه سيدفع النازح للعودة الى سوريا لأنّه لن يتمكّن بعدها من تحمُّل كلفة المعيشة في لبنان، علماً أنّ الحدود السورية مغلقة الآن بسبب جائحة «كورونا»، وفي المقابل يرى آخرون أنّ المنظمات الدولية، ومنها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ستعزّز دعمها للنازحين في لبنان لتمكينهم من الاستمرار.
يواجه لبنان أزمة اقتصادية – مالية كبيرة فيما يستفيد النازح السوري على غرار المواطن اللبناني من المواد الأساسية التي تدعمها الدولة اللبنانية عبر مصرف لبنان المركزي وأخيراً من خلال أموال المودعين في المصارف، من محروقات وأدوية ومواد غذائية، ما يؤدي الى سخط شعبي لبناني، فهل إنّ مفوضية اللاجئين (UNHCR) معنية بهذا الأمر وستتخذ إجراءات حياله؟
تقول المتحدثة الرسمية باسم المفوضية في لبنان ليزا ابو خالد لـ»الجمهورية»: «يقدّم المجتمع الدولي المساعدة التي تشتد الحاجة إليها إلى كلّ من اللاجئين والسكان اللبنانيين على حد سواء. وعلى رغم المساعدة التي تقدّمها الوكالات الإنسانية لعائلات اللاجئين السوريين الأكثر فقراً وحاجة في لبنان، إلّا أنّها لا تزال غير كافية على الإطلاق لتلبية حتى احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والإيجار».
وتشير الى أنّ «المبلغ الذي تقدّمه المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي الى الأسَر التي تتلقّى المساعدة لا يغطّي الاحتياجات الأساسية كافةً لهذه الأسر في ظلّ التضخم الحاد والانهيار الاقتصادي الذي يشهده البلد»، لافتةً الى أنّ «أسر اللاجئين السوريين تكافح للتَمكّن من تدبّر أمور معيشتها، كذلك يشير معظمهم الى أنّهم لا يعرفون كيف سيتمكنون من الصمود ليوم آخر في ظلّ هذا الوضع».
وبحسب إحصاءات المفوضية، إنّ 9 من كلّ 10 لاجئين سوريين يعيشون حالياً في فقر مدقع، بأقل من 308,728 ليرات لبنانية للفرد الواحد في الشهر، أي بأقل من نصف الحد الأدنى للأجور.
وبالتالي، مع اقتراب رفع الدعم عن المواد الأساسية ستزداد كلفة المعيشة، فكيف ستتعامل المفوضية مع ذلك؟ وهل ستغطّي فارق رفع الدعم بزيادة الدعم المالي للنازحين؟ تجيب ابو خالد: «نظراً الى التمويل المتاح حالياً للمساعدات الإنسانية، لا يمكن المفوضية تقديم مساعدة نقدية شهرية إلّا الى 28 في المئة من اللاجئين السوريين (ابتداء من أيار المنصرم – 84,600 أسرة لاجئة سورية)، بقيمة 400 ألف ليرة لبنانية للأسرة الواحدة في الشهر».
وبصورة إجمالية، ومع احتساب المساعدات النقدية والغذائية الشهرية التي يقدّمها برنامج الأغذية العالمي، توضح ابو خالد أنّ «المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي لا يمكنهما الوصول إلّا الى 69 في المئة (اعتباراً من أيار المنصرم) من إجمالي عدد اللاجئين وتزويدهم مساعدات نقدية أو غذائية، أو كليهما». وتشير الى أنّ المفوضية «عمدت الى توسيع نطاق شبكة الأمان قدر الإمكان بُغية شمل مزيدٍ من الأسَر نظراً الى زيادة نسبة الفقر المدقع، كذلك حاولت زيادة حجم المساعدة للتعويض جزئياً عن التضخم المفرط، غير أنّ ذلك لا يزال غير كافٍ الى حد كبير».
وتؤكد ابو خالد «انّنا بصفتنا المجتمع الدولي، يجب علينا مواصلة تقديم المساعدة، الآن أكثر من أي وقت مضى، الى السكان اللبنانيين الأكثر فقراً واللاجئين على حد سواء». وترى أنّ «ثمة حاجة ملحّة الى بذل المزيد لمساعدة عائلات فقيرة عدة في لبنان على الصمود في وجه الظروف الحالية».
وبحسب إحصاءات المفوضية، هنالك حالياً 855 ألفاً و172 لاجئاً سورياً مسجّلين لدى المفوضية في لبنان. كذلك بلغ عدد مواليد الأطفال اللاجئين لأبوين لاجئين مسجّلين لدى المفوضية 189 ألفاً و634 طفلاً منذ عام 2011، علماً أنّ المفوضية توقّفت عن تسجيل اللاجئين السوريين في لبنان عام 2015 بناءً على طلب الحكومة اللبنانية. في المقابل، وبحسب الإحصاءات اللبنانية الرسمية، هناك مليون ونصف مليون نازح سوري، فيما أنّ 73 في المئة من الولادات السورية في لبنان غير مُسجّلة بعد عام 2015.
وفي حين يتطلّع لبنان، الرسمي والشعبي، الى تأمين العودة الآمنة للنازحين السوريين الى بلادهم، لأنّ لبنان لم يعد قادراً على تَحمّل كلفة النزوح التي بلغت حتى الآن نحو 45 مليار دولار مقابل دعم دولي لم يتخطَّ الـ8 مليارات دولار، خصوصاً في ظلّ الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي الذي يعيشه، بحيث أنّه بالكاد قادر على تأمين الحاجات الأساسية لأبنائه، ولأنّ هذا النزوح هو جزء من الأزمة التي يعانيها لبنان، كما أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أخيراً في حوار مع مجلة «الأمن العام».
وبحسب إحصاءات مفوضية اللاجئين، إنّ أكثر من 80 في المئة من اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان يشيرون في استمرار، منذ عام 2017، الى عزمهم العودة الى بلادهم في نهاية المطاف. أمّا السؤال بالنسبة الى معظم اللاجئين ليس «ما إذا كانوا» يريدون العودة، وإنّما «متى» سيتمكّنون من العودة؟ وبدأت المفوضية تتبّع عمليات عودة اللاجئين من لبنان منذ عام 2016، وتشير الى أنّ عدد العائدين آخذ في الازدياد (باستثناء عام 2020 جرّاء القيود المتصلة بجائحة كورونا).
ولمساعدة اللاجئين على اكتساب الثقة وتحقيق هذه الرغبة العامة في العودة، تشير نتائج استطلاعات الرأي في شأن نية العودة التي أجرتها المفوضية، الى «وجوب استمرار الجهات الفاعلة الوطنية والدولية في المساعدة على تزويد اللاجئين المعلومات والأدوات والخبرة اللازمة لإعادة بناء حياتهم ومستقبلهم في سوريا». ويمكن تحقيق ذلك بحسب المفوضية، على سبيل المثال، من خلال «الاستمرار في دعم التعليم والتدريب المهني، فضلاً عن تعزيز إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية والاستحصال على وثائق الأحوال الشخصية».
هذه الوثائق تعمل الدولة اللبنانية على تأمينها، كذلك على إعداد «داتا» بيانات عن أماكن وجود النازحين السوريين في لبنان وعناوين سكنهم والمدن والقرى التي نزحوا منها، لمطابقتها مع بيانات مفوضية اللاجئين، ثم التواصل مع الدولة السورية، ومطابقتها مع المناطق الآمنة، تمهيداً لتأمين عودة النازحين. لكنّ المفصل الأساس لهذه العودة، بمعزل عن الحل السياسي، يبقى بحسب غالبية الجهات الرسمية والسياسية، وقف الدعم المالي النازحين في لبنان وتقديم المساعدات لهم في الداخل السوري.