صار واضحا ان ملف النازحين السوريين الى لبنان لا يتحرك سوى تحت تأثير “الصدمات” الموضعية ربطا بتطور مستجد هنا أو هناك، ثم لا يلبث ان يخبو ويعود الى وتيرته البطيئة، بينما تستمر تداعياته بالتفاعل على كل المستويات.
لعل دخان الحرب في غزة والجنوب ساهم بدوره في التغطية على قضية النزوح وتراجع الاهتمام بها، لكن ما لا يستطيع هذا الدخان ان يححبه هو الانعكاسات المتمادية لتلك القضية على الصعد المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والامنية.
وعلى رغم من تعدد القرارات والخطط الرسمية لتزخيم عودة النازحين إلى بلادهم، فإن مفعولها على الأرض لا يزال محدوداً، خصوصا ان آلية التنسيق والتعاون المفترضة مع دمشق لم تستقم كليا، وتحديدا في ما يتصل بترفيعها الى اعلى مستوى سياسي ممكن لكي تصبح اكثر فعالية وجدوى.
وحتى الآلية الميدانية التي كان يُعوّل عليها لزيادة عدد العائدين نسبيا، تعرضت الى خلل مشبوه في الأيام الماضية، نتيجة دخول المشوشين والعابثين على خطها لعرقلتها وتعطيلها.
وضمن هذا السياق، يكشف وزير النازحين عصام شرف الدين لـ”الجمهورية” انه “وبعدما كنا في صدد تفعيل عملية تعبئة الاستمارات للنازحين الذين لديهم استعداد للرجوع إلى وطنهم بالتنسيق مع الأمن العام اللبناني والأجهزة الأمنية في سوريا، فوجئنا بأن هناك من دخل على الخط لخربطة هذا المسعى الرامي الى التحفيز على العودة وتسهيلها قدر الإمكان.” ويضيف: “لقد تبين لنا ان بعض النازحين يتعرضون لترغيب تارة وترهيب طورا لكي لا يملأوا الاستمارات المطلوبة، وهناك جمعيات وجهات دولية تتواصل معهم بغية حضهم على عدم التجاوب معنا”.
ويكشف شرف الدين انه “من أصل 270 استمارة تم ملأها اخيرا نازحون سوريون، سُجل تراجع نحو 40 في لمئة منهم عنها بعدما بدلوا رأيهم وعدلوا عن العودة منذ اسبوع تقريبا، نتيجة اتصالات تلقوها وضغوط متنوعة تعرضوا لها.” ويلفت الى ان المعنيين في وزارته بذلوا جهودا مضنية لإنجاح تجربة الاستمارات والبناء عليها، “وطاولة مكتبي مزدحمة بالاوراق التي تعكس حجم الجهد المبذول، لكن للأسف هناك من يصر على مواصلة وضع العصي في الدواليب”.
ويعتبر وزبر المهجرين ان ما يجري “مريب ومعيب”، لافتا الى “ان الأكيد حتى الآن هو ان القرار السياسي الغربي بعدم إعادة النازحين لم يتغير بعد، الأمر الذي ينعكس بدوره تخبطا على سلوك الحكومة التي لا تتصدى كما يجب لهذا التهديد الوجودي المحدق بنا.” وينبه الى ان ملف النزوح لا يُعالَج بطريقة موسمية، على قاعدة هبة باردة وهبة ساخنة، “بل يجب أن يخضع لمنهجية ثابتة لم تتوافر بعد على رغم من أن صوتنا بُح ونحن نحذر من مخاطر ترك الأمور على غاربها”.
ويلاحظ شرف الدين ان قضية إعادة النازحين أصبحت في حكم المجمدة حاليا، آملا في أن يكون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب قد ناقشاها بالصراحة اللازمة والوضوح المطلوب مع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال زيارته بيروت “لأن المسألة لم تعد تتحمل مماطلة وتسويفاً”.
ولماذا لا يحصل لقاء بينك كوزير مختص وبين بوريل حتى تبلغه مباشرة بكل هواجسك؟ يجيب شرف الدين: “ربما يخافون من جرأتنا وشفافيتنا، ولذلك يتم استبعادنا”.