Site icon IMLebanon

الملفّ يتحرّك جنوباً: فئة الشباب الأكثر خطورة

 

 

طالما شكّل النزوح السوري مأزقاً اقتصادياً وحياتيّاً للقرى المضيفة، حيث صار ثقلاً عليها. حاولت بلديات النبطية تنظيم النزوح والحدّ من تدفّق السوريين غير الشرعي، بعدما بات دخولهم خلسةً أمراً عاديّاً، وتحديداً في صفوف الشباب دون الـ25 عاماً، بحجّة تدهور الأوضاع المعيشية في سوريا. يضطرّ هؤلاء إلى دفع حوالى 200 دولار أميركي للمهرّبين لإدخالهم لبنان عبر المعابر غير الشرعية، ومنها يتوزّعون على القرى والبلدات اللبنانية ومنها الجنوبية، ويباشرون العمل سريعاً، تحديداً في أعمال البناء. يستقطب هذا القطاع عدداً كبيراً من اليد العاملة السورية، فهم يسيطرون عليه تقريباً، كما على القطاع الزراعيّ، إضافة إلى أنّ اليد العاملة السورية تسيطر على محال بيع الألبسة والمطاعم حيث تجدها في كل مكان فيما يغيب العامل اللبناني عن المشهد.

 

سمح التهاون في التعامل مع هذا الملف في بسط حضور السوري على كل شيء، وطبعاً «الحقّ على اللبناني» الذي يهوى «البرستيج» أكثر من شغفه في العمل، ما جعله عاطلاً من العمل، في وقت لا تقلّ أجرة العامل السوري يوميّاً عن 20 دولاراً.

 

لا يخلو ملف النازحين الذي وصفه البعض بأنه «قنبلة موقوتة» من المشاكل، تحديداً مع تزايد عمليات السرقة والجريمة، ولعلّ آخرها جريمة قتل أحد السوريين زوجته في مرج حاروف وتقطيعها إرباً، ما أدّى إلى إعادة فتح هذا الملفّ على مصراعيه، والعمل على تنظيمه لإحصاء أعدادهم ولو بالحدّ الأدنى.

 

قد تكون بلدية كفررمان سبّاقة في تنظيم الوجود السوري، فهي تضمّ ما يقرب من 4500 سوريّ، يتوزّعون على تجمّعات ومنازل، ويشكّلون ما لا يقلّ عن ثلث عدد سكان البلدة.

 

ويقول رئيس البلدية هيثم أبو زيد إنّ «أكثر من عملية سرقة ضبطتها شرطة البلدية»، مؤكّداً «حرصه على تنظيم الوجود السوري الذي يشكل عبئاً على كل شيء، إذ زادت معاناتنا من أزمة النفايات والمياه والتعدي على شبكة الكهرباء». ولفت إلى أننا «نعمل كبلدية على تنظيمهم عبر تسجيلهم وإحصائهم مع فرض دفع القيمة التأجيرية للبلدية إسوة باللبناني باعتبار أنه مقيم في البلدة، ونحرص على متابعة وجودهم وتحديداً الأشخاص الذين يدخلون خلسة، كي نحفظ أمن البلدة».

 

ورغم مرور 13 عاماً على النزوح السوري، ما زال السوريون يحظون برعاية واهتمام المنظّمات والجمعيات الدولية التي تتدخل في دفع إيجار منازلهم إلى جانب «باقة الدعم الأخرى» التي يحصلون عليها، بل يُربط تنفيذ أي مشروع في أي بلدية بهم، وإلا «لا مشاريع». أمر يلفت إليه عضو بلدية النبطية صادق عيسى الذي يرى أنّه «في كل دول العالم يمنع تنفيذ أو تدخل أي جمعية من دون موافقة الحكومة أو السلطات المحلية، إلا في لبنان، تتصرف الجمعيات على هواها».

 

مع تحريك قضية النازحين السوريين مجدداً بعد جريمة مقتل باسكال سليمان، عاودت البلديات عملية تنظيمهم، ودعت بلدية النبطية كلّ السوريين لتسجيل أسمائهم وبياناتهم لدى البلدية تحت طائلة الملاحقة القانونية. ويُشدّد صادق على أنّ «البلدية طالما تابعت هذا الملف لحساسيته ودقّته، ولأنه يفترض معرفة من يدخل ومن يخرج من المدينة ومن يقطن فيها». ويضيف أنّ «معظم النازحين باتوا يملكون سيارات من دون لوحات ودراجات نارية غير مسجّلة، وهذا يحتّم متابعتهم ومعرفة من هم، ناهيك بدخول نازحين من مناطق أخرى من دون تصريح عن وجودهم، وهذا يتطلّب وفق صادق «أن نبقى متيقظين وتسيير دوريات للشرطة بشكل دوري».

 

يُقدّر عدد العائلات السورية في النبطية حوالى 1500 عائلة، وهو رقم غير ثابت، كما يقول صادق الذي رأى أنهم «يشكلون عبئاً اقتصادياً وأمنياً واجتماعيّاً، إضافة إلى تزايد الجريمة تجاه بعضهم البعض، وهذا يفرض تكاتف كلّ السلطات المحلية والأمنية لمتابعة هذه المسألة». وما لا شك فيه أنّ العبء الأكبر يتمثل بمنافسة اليد العاملة السورية للبنانية، وهنا يعتبر صادق أنّ «شروط المنافسة غير متكافئة، فهي تصب في صالح السوري، فالقانون لا يطبّق إلا على اللبناني، فيما النازح السوري يعمل في كل المجالات».

 

هذا الواقع يؤرق سكان المنطقة، وبدأ الإمتعاض يتفاقم ويخرج إلى العلن، مع تزايد المنافسة في ظلّ تدهور الواقع المعيشي. إزاء ذلك، لم يتخذ أي إجراء لضبط هذا الواقع وفق أحد الباعة «فاللبناني يوظف في متجره سوريّاً ليديره، ويلعب على عنصر المنافسة، فضلاً عن أنهم أصبحوا جزءاً من تركيبة المجتمع، فأعدادهم في تزايد مستمر». الأخطر من كل هذا، برزت أزمة جديدة، تتمثّل بجيل النازحين الجدد، ممن هم تحت سنّ العشرين، فهؤلاء وفق ما يقول صادق «من أخطر تداعيات النزوح التي قد نشهدها، لأنّ هذا الجيل لم يعرف سوريا ولا يمكن تمييزه من اللبناني، فلهجته باتت شبه لبنانية، وهذا التداخل بات يصعب فصله».

 

لا أعداد واضحة لعدد النازحين السوريين في منطقة النبطية، إذ لم تتمكّن البلديات من إنجاز هذا المسح، نظراً إلى وجود شريحة كبيرة من الذين دخلوا خلسة، يضاف إليها، الذين نزحوا من القرى الحدودية. المؤكد أنّ هؤلاء ينعمون بدعم مفتوح من الجمعيات والمنظّمات الأهلية والدولية، حتى عندما يرتكب النازح جريمته، تنبري تلك الجمعيات لتعيين محامين للدفاع عنهم، (مع الإشارة إلى أن القانون يكفل لكل متهم محامياً). فهذا «النعيم» الذي يعيشه النازحون يعزّز تمسكهم بلبنان ويصعّب إقناعهم بالعودة الطوعية إلى سوريا، إذ يكفي توجيه السؤال إلى أي واحد منهم، فيجزم «لا عودة».