قفز تحدّي النزوح السوري مجدداً إلى صدارة الأولويات الداخلية، منافساً الاستحقاق الرئاسي على المركز الأول، بفعل ما يختزنه من تهديدات للأمن القومي اللبناني.
يحاول لبنان منذ عام 2011، تاريخ اندلاع الحرب في سوريا، ان يتعايش مع قنبلة النزوح السوري الموقوتة التي كادت تنفجر في مرات عدة.
لكن هذا التعايش مع الخطر لا يمكن ضمانه باستمرار، وليس في كل مرة تسلّم الجرة، خصوصاً انّ وجود نحو مليوني نازح في بيئة مشحونة وتحاصرها الأزمات، يترك المجال مفتوحاً أمام كل أنواع الاستثمار في هذا الملف الذي يتداخل فيه العامل الإنساني بذاك الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وانطلاقاً من سياسة الاستثمار في تلك القضية المركّبة، تفاعلت التدابير التي اتخذها الجيش في حق سوريين مخالفين للقوانين اللبنانية، وأفرزت نوعين من ردود الفعل، الأول أفرط في الهجوم على الجيش والسلطة تحت شعار حماية حقوق اللاجئ، من دون الأخذ في الحسبان حقوق المواطن اللبناني ودولته المتهالكة، والثاني أفرط في إبداء العدائية حيال النازحين السوريين والتحريض عليهم، من غير مراعاة حساسية الواقع وضرورة معالجته بحكمة لا تجرّ إلى العنف.
ولعلّ التظاهرات المتقابلة (النازحون والمقيمون وجهاً لوجه) التي منعتها وزارة الداخلية لأسباب امنية، تعطي مؤشراً واضحاً إلى انّ الوقت ينفد، وانّ هناك ضرورة ملحّة للتعجيل في تفكيك صاعق التفجير قبل أن تفلت الأمور من السيطرة، خصوصاً انّ منسوب الاحتقان ارتفع الى معدلات غبر مسبوقة في المخيمات وجوارها اللبناني. وهناك على المستوى الرسمي من يعوّل حالياً على خيوط التقارب السعودي – السوري، من أجل نسج مظلّة اقليمية لعودة آمنة للنازحين، بعدما تبيّن انّ «أوكار الدبابير» الدولية لا تزال تصرّ على «لسع» محاولات إعادتهم، انطلاقاً من اعتبارات سياسية يجري تغليفها بقشرة إنسانية.
ولعلّ هذا التقارب بين الرياض ودمشق يمكن أن يشجع البعض في الداخل على تفعيل مستوى التواصل والتنسيق مع القيادة السورية حول ملف النازحين، بحيث لا يبقى محصوراً في إطار تقني محضّ عبر الأمن العام.
وإلى حين اختبار جدّية القرارات الاخيرة الصادرة عن الاجتماع الوزاري في السرايا برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ينبّه المطلعون إلى انّ الحملة التي تُشنّ على المؤسسة العسكرية من قِبل بعض الاوساط ليست بريئة، «بل هي توحي بأنّ كلمة سر انطلقت من مكان ما لتوزيع الادوار على المنخرطين في هذه الحملة وصولاً إلى الدفع نحو حصول فوضى».
ويعتبر هؤلاء، انّ دكتيلو واحد يطبع معظم المواقف التحريضية، مشدّدين على أنّ الجيش ينفّذ مهمّات روتينية في توقيف وترحيل السوريين الموجودين الذين دخلوا خلسة إلى لبنان، والأمر لا يستحق كل الضجة المفتعلة، «لكن المطلوب من الجيش أيضاً ان يواظب على تأدية واجباته، وان لا يعطي اي انطباع بأنّ تحرّكه موسمي ومزاجي».
ويلفت المطلعون، إلى انّ اللبنانيين يجب أن يكونوا بدورهم حكماء، وان يتحلّوا بالمسؤولية في مقاربة قضية النزوح، «حتى لا يصبح الحق عليهم بعدما كان معهم».
وبهذا المعنى، يؤكّد المطلعون على مجريات أزمة النزوح، ان ليست هناك مصلحة في الانزلاق إلى العنف في مواجهة النازحين، «وأي اعتداء ضدّهم سيكون مفعوله ضاراً بلبنان، وبالتالي على الساعين إلى الشعبوية والمزايدات ان «يهدّوا البال» ويخففوا من غلوائهم».
ويلفت هؤلاء انتباه رؤساء البلديات، إلى انّ الانتخابات البلدية تأجّلت، «ولذلك لا مبرّر لأي تصعيد عشوائي وانفعالي في نطاق مناطقهم، على رغم مشروعية الشعور بالغبن والغضب في صفوف المواطنين الذين يتضرّرون من وجود النازحين». ويشدّد المطلعون على وجوب أن يكون كل تحرّك مسؤولاً ومدروساً لتحقيق عودة النازحين وللاستفادة من التقارب في الإقليم، بدل ان يحصل على حساب لبنان.
ويضيفون: «بصراحة، يجب ان نحضر السوق حتى نبيع ونشتري، ومع تلاحق المتغيّرات في المنطقة لا يجوز أن نكون في آخر العنقود. وإذا استدعت المصلحة الوطنية حصول زيارات سياسية إلى سوريا لتسهيل إعادة النازحين فلا يجب الامتناع عن ذلك، لاسيما انّ أشدّ خصوم دمشق من العرب قد استأنفوا العلاقات السياسية معها، فلماذا لا نفعل مثلهم؟».