IMLebanon

النزوح السوري بين التوظيف «الرخيص» والمبادرة الروسية

 

انقسم اللبنانيون منذ بداية الأزمة السورية عام 2011 إلى فريقين: الأول، يؤيد الثورة ضد النظام، والثاني، يؤيد النظام ويسانده سياسياً وعسكرياً. بينما فشلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في اعتماد سياسة «النأي بالنفس» التي أعلنتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من أجل رأب الصدع الذي يمكن أن تتسبب به ارتدادات الأزمة السورية، وخصوصاً في ظل تفاقم أزمة النازحين السوريين، والذين تقدّر المفوضية التابعة للأمم المتحدة أعدادهم بمليون نازح، بينما ترى السلطات اللبنانية أنهم في حدود مليون ونصف نازح.

لا يتسع المجال والوقت للبحث في مختلف ارتدادات الأزمة السورية على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان، وتقييم آثارها في المديين المتوسط والبعيد. لكن في ظل ما تشهده الأزمة السورية من تطورات عسكرية وسياسية، وفي ظل الاندفاعة الدولية والإقليمية الحاصلة لبلورة مشاريع وتحقيق مصالح سياسية واستراتيجية على حساب وحدة سوريا ومصالح الشعب ومستقبله، يبدو من الضروري والملحّ أن يبادر لبنان حكومة وشعباً للعمل لعودة آمنة للنازحين، وبأسرع وقت ممكن، وبالتالي الحؤول دون توطينهم على أراضيه، مع كل ما يمكن أن يشكل ذلك من مخاطر «وجودية» على الصيغة السياسية اللبنانية.

بعيداً عن التوظيفات الداخلية «الرخيصة»، والتي درج على استعمالها عدد من الأفرقاء اللبنانيين في عملية التنافس على النفوذ والسلطة، تدعو الحكمة والمسؤولية الوطنية أن تبادر الدولة اللبنانية لبذل كل الجهود الممكنة دولياً وإقليمياً للسعي لحل أزمة النازحين السوريين وتسريع عودتهم، وبالتالي عدم التلهي وإضاعة الوقت بإعادة بضع مئات منهم أسبوعياً من خلال تنظيم لوائح من قبل حزب الله والأمن العام وعرضها على المخابرات السورية لغربلتها وتقرير أسماء من تسمح بعودتهم.

لو استمرينا في اعتماد هذه المقاربة «الصبيانية» والمجتزأة لاستغرقت عملية العودة لمليون ونصف مليون نازح مدة ثمانين عاماً على الأقل.

لا بدّ أن يسعى لبنان للاستفادة من المبادرة الجديدة التي أطلقتها روسيا لإعادة ما يقارب من مليون وسبعماية ألف لاجئ، والتي حضر لتسويقها لدى السلطات اللبنانية الموفد الرئاسي الروسي إلى سوريا الكسندر لافرنتييف، مع تقدير أن يكون نصيب لبنان 890 ألف عائد إلى الداخل السوري.

بالرغم من المخاوف والشكوك التي قابل بها اللاجئون السوريون والمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة المبادرة الروسية هذه، فإن روسيا تبدو جادة للسير قدماً في تنفيذها. هذا ما تؤشر إليه الأخبار التي سرّبتها موسكو عن بحث هذا الموضوع بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب في قمة هلسنكي، وهو الأمر الذي لم تنفه واشنطن. يضاف إلى ذلك الجهود المكثفة التي تبذلها روسيا لتسويق هذه المبادرة لدى الدول الأوروبية لدعم المبادرة، مع الإشارة إلى أن هذا الموضوع قد بحث في اللقاء الأخير بين المستشارة أنجيلا ميركل والوزير الروسي سيرغي لافروف في زيارته الأسبوع الماضي لبرلين.

تؤشر التصريحات الروسية حول المبادرة وحول تسوية الأزمة السورية إلى تفاؤل روسي مفرط، وغير مستند إلى وجود مصادر لتمويل مشروع عودة مئات آلاف النازحين خلال الأشهر المقبلة. في الوقت الذي تؤكد فيه المصادر الأوروبية بأن بوتين غير مستعد لدفع تكاليف هذه المبادرة.

يبدو من المنطقي والواقعي توقع تأخير انطلاقتها لفترة زمنية قد تطول، بانتظار إقناع الأوروبيين والأميركيين بأن لهم مصلحة في تمويلها، والانطلاق فعلياً في المشاركة بوضع حل سياسي، يفتح الأفق أمامهم للمشاركة في إعادة إعمار سوريا. لكن تبقى العقدة التي يجب على موسكو السعي إلى تجاوزها متمثلة بالهواجس التي تبديها الأمم المتحدة حول موقف النظام السوري من العائدين، وضمان أمنهم وسلامتهم.

في لبنان لا بد أن يدرك جميع الأفرقاء بأنه لا جدوى من توظيف موضوع النازحين سياسياً أو أمنياً، وبأن على رئيس الجمهورية والحكومة استعادة موضوع النازحين إلى كنف الدولة، وانشاء «هيئة وطنية» لملاحقة امر عودتهم الى ديارهم. إن ما يجري الآن من معالجات هو أشبه «بالمؤامرة» التي تستند على «شكوك أمنية»، ووسيلة ضغط للترويج لإعادة النفوذ السوري الى لبنان.

يقتضي التعامل مع النزوح كموضوع حقوقي وله بُعده الإنساني وليس كمسألة امنية. من هنا فإنه لا يمكن للبنان تجاوز دور المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ولا بد من التجاوب جدياً مع الهواجس التي تبديها.