تتزاحم تداعيات التفجيرات الانتحارية التي هزت بلدة القاع المسيحية الحدودية مع سوريا وسط مخاوف من نوعين: العودة الى مقولة الامن الذاتي، ومصير مخيمات النازحين السوريين الذي يراوح بين دعوات منطقية للتنظيم والضبط وبين مقاربة عنصرية تساوي بين مجمل النازحين والعناصر الارهابية التي تحمل جنسيتهم.
ويساهم التنظيم في تخفيف العبء عن المواطنين الذين يعانون المزاحمة في مجالات كسب رزقهم، وفي تحسين شروط النزوح الامنية والانسانية. فوفق ناشط سياسي في مدينة مسيحية، تستضيف عدداً كبيراً من السوريين، يمكن ان يوكل به الى البلديات باعتبارها سلطات محلية. فيكون لها احصاء القاطنين في محيطها وفرض تقديم استمارات تحدد هوياتهم واماكن اقامتهم والمواقع التي نزحوا عنها، على ان تبقى الرقابة الامنية للاجهزة الرسمية المختصة. وهو يرى «أن الاستغلال الطائفي والعنصري لهذا الارهاب ضد بلدة مسيحية آمنة هو لعب بنار الفتنة وتحريض على صدام خطير ومدمر مع النازحين يصب في مصلحة حزب الله».
اما العنصرية فتبدت مثلاً تلميحاً في قول رئيس التيار «الوطني الحر» الوزير جبران باسيل خلال تفقده القاع «لا يمكننا ان نسكت عن موضوع النزوح الذي يستعمل غطاء للارهاب». كما تبدت خصوصاً في الصرخات التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي والداعية الى ترحيل النازحين والمساواة بين مجملهم، الذي يناهز المليون ونصف المليون، والارهاب.
وما بين التنظيم والعنصرية «ضرورة التوصل الى صيغة توفق بين مسؤولياتنا الانسانية تجاه النازحين وبين منعهم من ان يكونوا بيئة خاضعة للارهاب التكفيري» كما لخص الوضع وزير الداخلية نهاد المشنوق.
فالانتشار المسلح العفوي الذي ظهر في القاع هو مجرد ردة فعل دفاعية بقيت مضبوطة تحت سقف الجيش، ولا يجب تضخيمها واعتبارها مقدمة للامن الذاتي وفق السياسي السيادي الذي رأى في كلام الرئيس تمام سلام «مجرد تنبيه الى عدم الانزلاق باتجاهها». فقد نقل عن رئيس الحكومة دعوته في مجلس الوزراء «الى الابتعاد عن مظاهر الامن الذاتي لانه ليس مطلوباً استنفار طائفي او مذهبي او فئوي والا نكون وقعنا في الفخ الذي نصبه لنا الارهابيون». ويشدّد المصدر على ضرورة مقاربة احداث القاع مقاربة وطنية لا طائفية، لافتاً الى ان معظم الانتشار المسلح كان لشباب يتمسكون بمنطق الدولة باعتبارها الضامن الوحيد. بالمقابل يلفت السياسي السيادي الى الامر الواقع الذي فرضه «حزب الله صاحب الدويلة ضمن الدولة» مذكراً بأن تنبيهاً مماثلاً لم يصدر مثلاً بعد التفجيرات السابقة في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث لا يسمح المسلحون للقوى الامنية الرسمية بالاقتراب الا بعد الانتهاء من المسح الاولي.
وحيث ان الامن مرتبط عملياً بالامن السياسي، فهو لن يستقيم فعلياً، اذا لم يبدأ بملء الشغور الرئاسي، كمقدمة لانتظام عمل المؤسسات وفق السياسي السيادي، الذي يذكر بأهمية تحميل المجتمع الدولي مسؤولياته في هذا الاطار وهو الذي ما برح يعلن، حتى الآن، اهتمامه بالحفاظ على الاستقرار.
فعلى الحكومة بنظره، ان تطلب مؤازرة القوة الدولية المنتشرة في الجنوب للمشاركة، الى جانب الجيش، في حماية الحدود مع سوريا، كما يسمح له بذلك منطوق القرار الدولي 1701، وفي حال الرفض يتحمّل مجلس الامن المسؤولية. كما ان مسؤولية المجتمع الدولي الاساسية تتمثل في تقاعسه عن فرض مناطق آمنة داخل الاراضي السورية بما يسهّل عودة قسم من النازحين ويخفف العبء على الدول المضيفة بدءاً من لبنان وصولاً الى الاردن وتركيا. كذلك يرفض المجتمع الدولي مدّ الدولة مباشرة بالتمويل الضروري لتوفير شروط اقامة انسانية بذريعة الفساد والهشاشة، ويحصر قسمه الاكبر بالجمعيات الاهلية التي تنامت كالطحلب، وهي لا تقلّ فساداً.