يكثُر الإهتمام الأميركي والغربي بالوضع في الجنوب. ويأخذ الميدان الحيّز الأكبر من الرصد والمتابعة بعد تطورات الساعات الأخيرة. وتستكمل إسرائيل حربها في غزة ومواجهاتها الدامية في الجنوب. ولا يمكن إهمال الوضع الداخلي على رغم أهمية ما يدور في الجنوب من أحداث وحروب متنقّلة. ولا يمكن فصل تلك الأحداث عن الوضعية السياسية العامة. إذا كانت الدولة اللبنانية لا تملك سلطة القرار والتقرير جنوباً بعد اشتداد حدة القصف، إلا أنّ الحدّ الأدنى الذي بقي من الدولة يتابع الأوضاع الداخلية المتفجرة هي أيضاً. ولا يقتصر الخطر على حرب الجنوب، بل تطلّ ملفات كبيرة ومهمة برأسها لتعكّر بعض الإستقرار الذي عاشه لبنان قبل عملية «طوفان الأقصى».
وأحد أهم الملفات الخطيرة الذي يطرق الأبواب ويبشّر بشبه فوضى، هو ملف النزوح السوري. فهذا الموضوع مُثار منذ مدّة، لكنّ جديده هو بدء المواجهات بين اللبنانيين والسوريين على الأرض في الدورة والمتن وطرابلس وعكار، ويُشكّل الملف قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، وعندها لن تستطيع الأجهزة الأمنية ضبط المواجهات بسبب التمدّد المخيف للسوريين وتأثيرهم على لقمة عيش اللبنانيين وبطريقة غير شرعية.
إذاً، قد يكون ملف الصدامات المتنقّلة بين اللبنانيين والسوريين عنوان المرحلة المقبلة، ما سيزيد العبء المُلقى على كاهل المؤسسات الأمنية التي لم تتنفّس الصعداء بعد. ولا يمكن إنكار وجود قرار خارجي وداخلي بحماية المؤسسات الأمنية الشرعية، وفي هذا الإطار تمّ التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون وبقية قادة الأجهزة الأمنية لمدة عام، وتم تعيين رئيس أركان جديد للجيش اللبناني على رغم الإعتراضات.
أما الأهم فهو ترجمة القرار الخارجي بمساعدة الجيش والأجهزة على أرض الواقع، وتمثّلت الترجمة باستمرار وصول شحنات الوقود القطرية المقدّمة كهبة للجيش، والهبة الألمانية البالغة 2 مليون يورو التي تسلّمها قائد الجيش، واستمرار الدعم الأميركي للجيش والأجهزة الشرعية، إضافةً إلى الوعود البريطانية والفرنسية والغربية بمساعدة الأجهزة.
وإذا كان القرار الغربي والعربي واضحاً في منع إنهيار آخر أساسات الدولة اللبنانية والمتمثّلة بالجيش والقوى الأمنية الشرعية، إلا أنّ الأهم هو ترجمة هذا الإهتمام في المساعدة على حلّ الملفات السياسية العالقة وأهمها مسألة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. وتؤكد مصادر دبلوماسية في هذا السياق، فصل واشنطن والحلفاء ملف تأمين إستقرار الأجهزة الأمنية عن الأزمة السياسية المندلعة. والدليل هو صمود هذه الأجهزة منذ 17 تشرين 2019 إلى يومنا هذا رغم الأزمة السياسية العاصفة والتقلبات الحادة التي حصلت، والأزمة المالية والإقتصادية التي ضربت عناصر الجيش والأجهزة والتي قضت على قيمة رواتبهم.
ومن جهة ثانية، تكشف المصادر أنّ التركيز الأميركي ينصبّ في الوقت الحالي على حرب غزة والتطورات في جنوب لبنان، وواشنطن وإن كانت لا تُعير الرئاسة اللبنانية الإهتمام الكافي في هذا التوقيت، إلا أنها ترى أن جهدها لإبرام تسوية حدودية بين لبنان وإسرائيل وخفض التوتر سيؤدّيان حكماً إلى حلّ للأزمة اللبنانية وسينتج عنه إنتخاب رئيس للجمهورية، فالإنتخابات الرئاسية ستكون التتويج للحلّ السياسي والحدودي. تحاول واشنطن في هذه المرحلة الإبتعاد عن التفاصيل اللبنانية الداخلية وتصبّ كل اهتمامها على حرب الجنوب، وكل ما يُحكى عن تحرّك رئاسي مرتقب لواشنطن لا يدخل ضمن الأجندة الأميركية. ومن يملك إتصالات من قوى داخلية مع الأميركيين بات على علم بالموقف الأميركي الذي يتلخّص بدعم الدولة لبسط سلطتها على الجنوب وبقية لبنان، وعدم التساهل مع حالة الفلتان في الجنوب، والإصرار على إنتاج سلطة سياسية تتناسب مع الوضعية الجديدة. ولا تريد واشنطن الحرب لأن كلفتها ستكون باهظة على لبنان، لذلك تبذل كل جهد من أجل تجنيب البلد المواجهة والذهاب نحو حل سياسي.