Site icon IMLebanon

في النزوح السوري

 

لو كان النقاش الذي فتحته الاجراءات الرسمية الجديدة لتنظيم دخول السوريين الى لبنان منزّهاً عن الهوى والأهواء والتوظيف السياسي المشتمل على مدوّنة النفاق الممانع ذاتها، لأمكن الركوب على موجة الترف النفنافة الخاصة بحقوق الانسان ومجادلة صاحب الشأن اللبناني بطريقة صحيحة وصحّية!

ولأمكن مثلاً تذكير اللبنانيين في الإجمال، انهم والهجرة والنزوح الإرادي والاضطراري، صنوان لا يفترقان! وعلى مدى التاريخ وصولاً الى الأجداد الأولين في فينيقيا. وانهم في العصر القتالي الحديث ضربوا أرقاماً قياسية نسبة الى أعدادهم العامة، في النزوح القسري، الداخلي والخارجي، وانهم في العام 2006 مثلاً اختبر جزء كبير منهم محنة ترك الأرض والأرزاق بحثاً عن أمان وجدوه في كل حال، عند الذين استجاروا بهم.

ولأمكن بعد ذلك، تبريد بعض الرؤوس الحامية من خلال التأكيد، الذي لا بد منه، أن النزوح السوري الى لبنان، قسري وطبيعي (جغرافياً) ومؤقت، تبعاً للحتمية القائلة بأن السلطة الأسدية الهجينة التي تجمع الأبعاد المافيوزية بالحزبية والفئوية، آيلة الى الاندثار فيما سوريا باقية لأهلها وسيعودون إليها!

لكن المعضلة في النقاش المفتوح هو انه خلط الهوية بالأهواء وضاع القياس بحيث إن الطرف الذي ساند ويساند الطاغية على نكبة الفتك بالسوريين وتهجيرهم، صار في موقع من يعطي الدروس للحكومة اللبنانية في شأن اجراءاتها حيال النازحين!

ومرة جديدة يتم الغرف من معين البلف والتزوير الممانع ذاته: صارت «القضية» التي تستأهل الندب هي تلك الإجراءات وتأثيراتها وعيوبها، وليست في آليات القتل والانتهاك والعربدة الدموية التي تمارسها سلطة الأسد والجماعات التي تسندها انطلاقاً من انتماءات فئوية واضحة ولا لبس فيها.

أي صار رشيد درباس هو المجرم وليس بشار الأسد! وصار نهاد المشنوق هو المرتكب وليس عصابات الشبيحة والذبيحة الأسدية! وصار الأمن العام اللبناني هو المتهم وليس «الأمن الممانع» الذي واجه السوريين بالدبابات والمدافع والبراميل المتفجرة والغازات السامة ودفع الملايين منهم الى التيه في دنيا الله الواسعة هرباً من البطش والطغيان والإجرام والظلام!

الإجراءات اللبنانية الجديدة تستدر دموع تماسيح، لو كان عند أصحابها ذرّة حياء لالتزموا الصمت إزاء عارهم الذي حوّل دولة عظيمة مثل سوريا الى مقبرة مفتوحة، وخيّر شعبها الكريم بين الذل والموت تحت خيمة الممانعة، أو الذل والموت تحت خيمة المنفى!