اعتقد الموحدون الدروز في سورية أن انجازهم في ثورة 1925 إنما أتى في سبيل قيام دولة عربية عادلة، وهم من الذين غرسوا فكرة التحرر في المنطقة ورسخوا إمكانية التمرد على الاستعمار لا بل اليقين بقدرة الانتصار عليه. الحراك الوطني للدروز أتى في إطار الشراكة وليس الاستئثار، ولقد قدم سلطان باشا الأطرش إنجازه للشعب السوري ولسورية في شكل عام ولكل العرب، من دون أن يطلب شيئاً له في المقابل أو أن يصرف نفوذه أو نفوذ طائفته مكاسب وامتيازات في النظام السياسي.
وفي المراحل اللاحقة كان الدروز أوفياء لفكرة الدولة التي تجمعهم مع شركاء آخرين في حلقة قومية متعالية عن الفوارق، فكانوا متعلقين بالدولة العربية السورية باعتبارها خياراً حقيقياً وواقعياً لكل السوريين، لكن هذه الأخيرة تبدّلت ظروفها في أوقات لاحقة حيث آلت في نهاية الأمر إلى آل الأسد، وبعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 بقي الأمر ملتبساً عند بعض الدروز، فمنهم من فضل البقاء بحضن النظام باعتبار أنه الدولة، وفضل آخرون الالتحاق بالثورة لأن الجمهورية العربية السورية في شكلها الرسمي لم تكن إلا جمهورية آل الأسد. وهنا وقع الالتباس.
لا شك في أن نظام آل الأسد وعلى مدى عقود مارس التدجين السياسي بحق معظم الفئات والشرائح، بحيث اقتصرت النخب السياسية على جماعة النظام وأفرغت القيادات الدينية من تلك التي تخالف التوجه العام. وحال دروز سورية كانت تتأثر بكل هذه الوقائع، لذلك يصعب على كثيرين منهم ملامسة حجم التحولات التي تجري من حولهم، حيث ينجح بشار الأسد في تخويفهم من تلك التحولات، ويساعد على إخافتهم أيضاً ما يحصل من ارتفاع حدة التطرف والبربرية التي تقترب من ديارهم.
صحيح أن كثيرين من السوريين، والدروز منهم، يعتبرون أن خياراتهم تقع بين حدين لا ثالث لهما، وهما التكفير أو الاستبداد، وبالتالي فالتعايش الذي كابدوه مع الاستبداد أخف وطأة عليهم من التكفير الذي تتضح تجلياته في العراق وشرق سورية. وهذا التباس آخر.
الدروز لم تكن لديهم امتيازات في النظام القديم حيث كانوا جنوداً أوفياء، لكن ماذا عن النظام الجديد، ما معالمه، وماذا عن المرحلة الانتقالية وما الخيارات المطروحة عليهم؟ في هذه الحال يتضح أن الخيار الذي يطرحه عليهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي هو خيار تأسيسي يتعلّق بمرحلة ما بعد الأسد، أي مرحلة تتضمن سياقاً انتقالياً ونظاماً لا يكون مركزياً بالمستوى الذي كانت عليه الأمور سابقاً، وبالتالي فالبُعد الذي يحمله المستقبل للدروز هو بعد يتكون من أساس مجتمعي ضمن العلاقات الاجتماعية القائمة على وحدة المصير مع أطياف الشعب السوري.
لكن الأمور قد تتخذ منحى آخر، فتظهر تعددية طائفية إنما بصيغة متهالكة تعقب الصراع السني – الشيعي وتكون من تداعياته، وقد تغيب عنها الديمقراطية لعقود، وتتضمن كثيراً من المخاطر بالتالي. فما هو، والحال هذه، السياق الذي يؤول إلى تأمين الحضور القومي والسياسي والتاريخي للدروز، وما شكل الضمانات التي تتيح لهم البقاء والطمأنينة، بخاصة أن ما كان قائماً لم يكن دولة إنما كان شكلاً من أشكال حكم الأقلية التي ظهرت مؤخراً بفجورها المذهبي القبيح؟
ما يطرحه عليهم وليد جنبلاط يتعلق بالضمانة التي تتأمن تلقائياً عبر رسم الاستراتيجية المشتركة مع المحيط، رسم المصير المشترك مع المجتمع في السهل الحوراني الذي يشكل الامتداد الطبيعي للجبل والذي تغلب عليه العلاقات التاريخية التي عكر صفوها نظام الأسد، بخاصة في ما إذا تأمّن استعداد هؤلاء لتجاوز الأمور وبناء شراكة مستقبلية.
لماذا يرفض بعض الدروز في السويداء هذه الشراكة؟ وما البدائل المتاحة؟ وهل لا يزال البعض يعتقد بإمكانية تحسن ظروف النظام؟
المطلوب من دروز السويداء بالنسبة للأسد، يقتصر على إشغال المعارضة وعدم طمأنتها من جهة الشرق لتأخير معركة دمشق، وبالتالي فالموضوع بالنسبة للأسد يرتبط بكسب الوقت. لكن مقابل ذلك، وفي هذا الوقت، فالموضوع بالنسبة الى دروز السويداء يرتبط بالمصير والوجود، وهنا الفارق بين رهانات الأسد ومصير الدروز. وانقلاب الأدوار في مسألة الحماية يظهر بجلاء: فالموضوع اليوم يتعلق بحماية الدروز للأسد وليس العكس، وبالتالي تترتب على ذلك مسؤوليات كبيرة. فهل يتحمل الدروز المسؤولية عن إهدار فرصة الشعب السوري في الانتصار على الأسد ويقعون في ما أوقع به حزب الله شيعة لبنان؟