IMLebanon

الآثار الاقتصادية للحرب السورية وتوسّع “داعش”: ٣٥ مليار دولار خسائر المنطقة ولبنان والعراق أكثر المتضررين

على أهمية الاستحقاقات الداخلية التي تواجهها البلاد في ظل استمرار الشغور في سدة الرئاسة الأولى، والاضطرابات الأمنية التي تهز الاستقرار وتؤثر سلبا على المناخ الاستثماري في البلاد وتزعزع الثقة بالاقتصاد والسياحة، تبقى أزمة اللاجئين السوريين الهاجس الأكبر الذي يقض مضاجع اللبنانيين ، نتيجة بلوغ هذه الأزمة سقفاً لم يعد في إمكانهم تحمله.

ورغم كثافة التقارير والدراسات التي تشير الى فداحة الخسائر التي تصيب المجتمعات المضيفة، ورغم الاهتمام الدولي بلبنان نظرا الى ما يحمله من أعباء على هذا الصعيد، فإن هذه الأزمة لا تجد حلاً لها، بل هي الى مزيد من التفاقم. وقد تتجه الأمور الى الأسوأ في ظل المخاوف المتنامية من تصاعد وتيرة الاشتباكات على الحدود التي تنذر بحركة نزوح أكبر في اتجاه لبنان.

وإذا كانت الحكومة قد تداركت هذه المشكلة بإجراءات متشددة على الحدود ومواصفات تحول دون مزيد من التدفقات وخصوصا بعدما تبين ان عددا كبيرا ممن يدعون النزوح يقصدون لبنان للإفادة من المساعدات ثم يعودون الى بلداتهم وقراهم، فهي لا تزال عاجزة عن حسم مسألة توطين بعض من هؤلاء، وهو الأمر الذي لا يزال موضع خلافات في ظل دعوات دولية لمثل هذا الإجراء. ومعلوم ان الأسرة الدولية التي أبدت كل تفهم واستعداد لدعم لبنان وشعبه في مواجهة هذه الأزمة، لا تزال مقصرة عن ترجمة التزاماتها ووعودها.

كما ان التعامل مع هذه الأزمة لا يزال يقتصر على الجوانب الإنسانية والاجتماعية، مغفلا التداعيات السلبية على الاقتصاد والأكلاف الباهظة. وهذا الأمر لم يأخذ حيزا كافيا من الاهتمام بإستثناء الدراسة التي وضعها البنك الدولي قبل عام، وقدر في حينها الخسائر بنحو ٧ مليارات دولار. وقد صدرت أخيرا ورقة عمل جديدة عنه تناولت أكلاف الحرب السورية واكلاف ظهور الدولة الإسلامية على اقتصادات مجموعة من الدول المعنية بتلك الحرب.

ورأت الورقة ان الحرب السورية، وما تبعها من ظهور الدولة الإسلامية وتوسعها، أثارا انتباه العالم وأحدثا تحولات في منطقة شرق المتوسط ما كان أحد ليتخيلها قبل سنة 2011. ومع ارتفاع أعداد القتلى واللاجئين والمشردين داخليا، ومع تفرق أفراد الأسرة الواحدة وتحول الأحياء السكنية إلى مناطق حرب، انهار اقتصاد البلدان وتقطعت الروابط الاقتصادية بالمنطقة. فقد غيرت صدمة الحرب المنطقة تغييرا عميقا، رغم أن لا أحد أجرى تقويما منهجيا لتأثيراتها الاقتصادية.

ولحظت الورقة أن التصدي لهذه المسألة والوصول إلى التحديد الكمي لكل من الآثار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لهذه الحرب على البلدان في منطقة شرق المتوسط، وهي تركيا وسوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر له الأثر المباشر من تراجع حجم قوة العمل السورية ومهاراتها بسبب الوفيات وتدفق اللاجئين إلى الخارج، وتدمير البنية التحتية، وفرض حظر تجاري على سوريا، وارتفاع تكلفة ممارسة أنشطة الأعمال، وانخفاض الإنتاجية. أما الآثار غير المباشرة فتتعلق بتكلفة الفرصة البديلة لمبادرات التكامل الاقتصادي التي كانت تستهدف تحسين اللوجستيات التجارية وتحرير التجارة في الخدمات بالمنطقة. ومن المهم دراسة الآثار غير المباشرة لأن الحرب عطلت التجارة بين بلدان المنطقة. وأوقفت كذلك خططا لتعميق الروابط التجارية بين بلدان المنطقة عقب توقيع اتفاق التكامل الاقتصادي لأربعة من بلدان المنطقة عام 2010. وكان من المتوقع إجراء إصلاحات ضخمة لتعميق التكامل التجاري، ما يعكس التكامل الاقتصادي الكبير كما تبين دراسة للبنك الدولي (2014).

وخلصت الورقة، حتى الآن، إلى أن إحدى نتائج الحرب هي أن اقتصاد البلدان الستة في شرق المتوسط معا خسر ما يقرب من 35 مليار دولار من الإنتاج حسب أسعار 2007. بعبارة أخرى، كان يمكن أن يزيد الحجم الاقتصادي التراكمي لاقتصاد هذه البلدان، قياساً بإجمالي الناتج المحلي، 35 مليار دولار لو لم تكن الحرب قد نشبت. وتعادل هذه التكلفة الإجمالية للحرب حجم الناتج المحلي السوري الاجمالي عام 2007!

بيد أن هذه الخسائر ليست موزعة بالتساوي. فالبلدان الأكثر تضررا من الحرب، وهما سوريا والعراق، تحمّلا عبء تكلفتها الاقتصادية المباشرة، فضلا عن خسارة ما كان يمكن أن تحققه زيادة التكامل الاقتصادي.

وتحملت بلدان أخرى في المنطقة خسائر في متوسط نصيب الفرد من الدخل، لكنها لم تشهد تراجعا في الناتج الاجمالي  بسبب التأثيرات المباشرة للحرب. إذ أسفر تدفق اللاجئين على لبنان والأردن وتركيا عن تعزيز الاستهلاك والاستثمار وزيادة المعروض من العمالة، ثم حجم اقتصاد هذه البلدان المستقبلة للاجئين. غير أنه في جميع الحالات، ارتفع الدخل الإجمالي بمعدل أقل من زيادة عدد السكان. وعلى ذلك فقد أضرت الحرب بمستويات المعيشة، حيث انخفض متوسط نصيب الفرد من الدخل 11 في المئة في لبنان و1.5 في المئة في تركيا ومصر والأردن مقارنة بالمستويات التي كان يمكن تحقيقها لو لم تنشب الحرب. وتعد تكلفة الفرصة البديلة لفقدان التكامل التجاري أكبر من التكلفة المباشرة لمصر والأردن وتركيا.

وبيّنت الورقة أن الآثار المباشرة للحرب على المنطقة تقلل من التكلفة الاقتصادية الحقيقية للحرب الأهلية وتوسّع الدولة الإسلامية. ومع ذلك، فإن هذا التقويم لا يأخذ في الحسبان التكلفة المالية لتقديم خدمات أساسية للاجئين في البلدان المضيفة، ولا تكلفة استخدام اللاجئين لمرافق البنية التحتية. وقد تكون هذه التكلفة ضخمة لكل من لبنان والأردن وتركيا، وهي البلدان الثلاثة التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين. إن التكلفة المستقبلية الناشئة عن الأعداد الضخمة من الوفيات وإعادة بناء الأصول المادية المدمرة ورأس المال البشري ستكون ضخمة أيضا على الأرجح وخصوصاً في سوريا. ومن وجهة نظر اقتصادية، لم يتم احتساب حجم هذه الصدمات حتى منتصف عام 2014، أما الحجم النهائي للأثر الاقتصادي – شاملا الأثر البشري وهو الأهم – فإنه سيتغير اعتمادا على المسار الذي ستأخذه الحرب في شرق المتوسط.