أعطت أحداث سوريا وانتصار الثورة على نظام بشار الأسد والإطاحة به، والدور التركي البارز في دعم حركة “تحرير الشام” ضد الأسد، دفعاً جديداً وإضافياً للسياسة التركية في المنطقة، لا سيما في سوريا. أما في لبنان فلم تنخرط تركيا في السياسة الداخلية بشكل واضح كما هو الوضع في سوريا. وفي هذا السياق يرى البعض أن طبيعة الجغرافيا التي تربط سوريا بتركيا، والحدود المشتركة والعلاقات بين البلدين، حتّمت على تركيا الغوص في الملف الداخلي السوري بهذا الشكل لكن الأمر نفسه لا ينطبق على لبنان.
ففي لبنان لا تزال تركيا تحاذر التعاطي مع الأحزاب والشخصيات السياسية، على الرغم من محاولة بعض سياسيي الشمال السنّة فتح أبواب العلاقة مع تركيا الدولة ولكن من دون جدوى. وثمة من يعتقد بأن السياسة التركية الحالية إزاء لبنان ستتغير في الفترة المقبلة، لا سيما مع الانخراط التركي بالوضع السياسي في سوريا بالكامل، وهو ما سيدفع تركيا إلى إيلاء الوضع السياسي اللبناني الداخلي أهمية كبرى، بحكم أن لبنان الجار الأقرب إلى سوريا، ولأن لتركيا ورئيسها مؤيّدين من الطائفة السنية.
وفي ظل الانكفاء السعودي في السنوات الأخيرة عن لبنان وعن الارتباط بالطائفة السنية على عكس السنوات الماضية، يُطرح سؤال كبير على مستوى الطائفة: هل تملأ تركيا وقطر الفراغ السعودي في لبنان؟
الحديث عن الانخراط التركي في لبنان ليس بجديد، إذ كان يتم عبر دعم حركات دينية ليس أكثر، ويعود إلى ما قبل العام 2005. أما بعده فاتّخذ الحضور التركي شمالاً منحى آخر، من خلال تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية عبر الـ (TIKA) أي وكالة التعاون والتنسيق التركية.
“لن تترك تركيا أبناء جلدتها التركمان سواء في لبنان أو أي مكان آخر في العالم”، كان هذا التصريح الأكثر صراحة لمسؤول تركي عن لبنان قاله وزير الخارجية في حينه جاويش أوغلو، لدى زيارته إلى لبنان، عقب انفجار مرفأ بيروت العام 2020. وفي عكار مواطنون من أصول تركمانية يعيشون في قرى “الكواشرة” و “عيدمون” بشكل أساسي إضافة إلى طرابلس والضنية. ولا يزال تركمان عكار يستذكرون الزيارة التاريخية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المنطقة مع رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري في العام 2010.
هنا لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أن عموم المشاريع التنموية في قريتي الكواشرة وعيدمون قد نفذت بدعم تركي، إضافة إلى بعض المشاريع في قرى شمالية أخرى.
إذاً، الحضور التركي في الشمال اللبناني لم يتعدّ المسألة التنموية. وعن التمدد التركي شمالاً يقول الشيخ نبيل رحيم في حديث لـ “نداء الوطن”، “ليس هناك شيء واضح للتمدد التركي في طرابلس، ثمة محبون لتركيا وهذا أمر واضح، لكن تركيا حتى الآن لم تقدّم لطرابلس إلا بعض المساعدات المتعلقة بالآثار العثمانية وترميمها مثل التكية المولوية ومساجد، وذلك عبر جمعيات تركية، ولكن ليس هناك دعم سياسي للطائفة السنية على غرار ما تفعله إيران مع الطائفة الشيعية على سبيل المثال”.
يضيف الشيخ رحيم: “كشعب سني عموماً نشعر أن ليس هناك دولة داعمة للطائفة بخلاف الطوائف الأخرى، وإذا كان التركي يريد دعم السنّة لتعزيز حضورهم الوطني فلا مانع والكل يتمنّى التعاون مع تركيا”.
يختم رحيم بالتأكيد على “وجود جمهور سنّي كبير محب لتركيا وللرئيس أردوغان، وربما يكون التركي قد بات أقرب إلى الشارع السنّي من السعودي، المنكفئ عن لبنان وعن الطائفة السنية منذ سنوات”.