ما كادت هدنة الستين يوما تبدأ بالنفاذ، حتى بدأت الأحداث السورية، حيث فرضت فصائل مسلحة سيطرتها على مناطق واسعة في حلب وحماه، الأمر الذي ينقل مخاوف أبعد من المدن السورية، ويطرح إشكالية تسلل مقاتلي الفصائل عبر المعابر غير الشرعية الى لبنان، في سيناريو يشبه ما جرى مع “النصرة” و “داعش” في الماضي من جهة، إضافة الى اشكالية ثانية تتعلق بهروب سكان المناطق المحتلة، مما يعيد سيناريو النزوح السوري الى الواجهة. من هذا المنطلق، يجري رصد ومتابعة تداعيات الحرب في سوريا، لجهة إعادة تدفق أعداد من النازحين السوريين في اتجاه لبنان.
فاحتمال تجدد النزوح السوري ان حصل، يهدد بقنبلة اجتماعية واقتصادية بسبب الضغوط بعد تهجير سكان نصف لبنان جراء الحرب “الإسرائيلية” وتدمير منازلهم، بإنتظار استقرار الوضع والبدء بالإعمار، ومن المعروف ان ملف النزوح السوري استهلك الطاقة اللبنانية، وشهد تقلبات كثيرة.فقبل الحرب اقفل الملف على خلاف وجدل عقيم بين مفوضية اللاجئين وحكومة تصريف الاعمال، على خلفية رفض المفوضية تسليم لبنان “داتا” النزوح كاملة، مما ادى الى نزاع طويل بين لبنان الرسمي والمفوضية الأوروبية، التي تجاهلت مطالب لبنان وانحازت الى تنفيذ الأجندة الأوروبية على حساب الدولة اللبنانية، مما ادى الى استنفار لبناني لمواجهة التجاهل الأممي، فسجلت تدابير خاصة للبلديات بالتعاون مع الأجهزة الامنية للحد من فوضى النزوح.
ملف النزوح عاد مجددا، ويرتفع اليوم منسوب الخوف من عودة السوريين في حال توسعت العمليات القتالية في سوريا، فلبنان يحاول النهوض من تداعيات الحرب المدمرة، والجيش في صدد تنفيذ خطة الانتشار جنوبا، والبلديات منهكة ومنحلة، ولبنان أصلا لم يعد يحتمل عدد النازحين المقيمين على أرضه. صحيح ان حوالى الـ٥٠٠ ألف نازح سوري غادروا لبنان في شهر أيلول، لكن احصاءات ما قبل الحرب تحدثت عن مليونين ونصف نازح، وهي نسبة كبيرة مقارنة بعدد سكان لبنان، وثمة من يسأل عن ضمانات تمنع انفجار الأزمة مستقبلا، وهي كانت متوقعة اصلا في ظل تقاعس المنظمات الدولية وتشجيعها على بقاء النازحين السوريين، اذ عمدت المفوضية الأوروبية في الشهرين الماضيين لتوسيع خدماتها في مخيمات المناطق، بدل إعادتهم الى بلادهم. ويجري اليوم التذرع مجددا بالحرب السورية لتعزيز المنظمات الأوروبية فرص الاستفادة من التعويضات وتقديم المساعدات للسوريين، مما سيفتح الباب امام تدفقهم مجددا الى لبنان، للإفادة من دولارات المفوضية المتأخرة في أشهر الحرب.
من المؤكد، كما تقول مصادر سياسية، غياب خطة موضوعية وواضحة في التعامل مع التطورات، فإغلاق الحدود وترحيل السوريين غير الشرعيين، ومنع الذين تركوا لبنان من العودة، يحتاج الى قرار سياسي كبير، ومع ذلك تؤكد المصادر ان هناك قرارا بعدم التراخي ورفع مستوى الجهوزية الأمنية على الحدود، وهذا التوجه المتشدد لا يقتصر فقط على النازحين الاقتصاديين، بقدر ما يهدف لمنع تسلل مقاتلي الفصائل المسلحة. ومن هذا المنطلق عمدت مراكز الامن العام الى زيادة القيود وإجراءات الدخول الى لبنان، لمن لا يحملون اوراقا ثبوتية عبر المعابر الشرعية، فيما تسلل المقاتلين من المعابر غير الشرعية امر معقد بسبب تحليق الطيران “الاسرائيلي” المستمر في الأجواء اللبنانية، ومراقبة الجيش لعدد من المعابر وطرق التهريب غير الشرعية بالابراج والكاميرات والمخبرين.