اجتمعت الحكومة اللبنانية على سبيل التشاور للحديث في ملف النزوح السوري بظل التوترات التي يشهدها لبنان في هذا الملف بعد حادثة خطف وقتل باسكال سليمان منذ أيام، وردات الفعل التي حصلت في اكثر من منطقة والتي انعكست توترات أمنية بين لبنانيين ونازحين سوريين، ولكن ماذا عن “النازحين” اللبنانيين من الجنوب والقرى الحدودية؟
ما يزيد عن مئة ألف نازح جنوبي غادروا منازلهم من القرى التي تشهد حرباً مع العدو الاسرائيلي منذ 8 تشرين الأول العام الماضي، معظمهم سكن في قرى ومدن جنوبية لم تصلها الحرب بعد بشكل مباشر، والآخرين توجهوا إما باتجاه صيدا وإما باتّجاه الضاحية الجنوبية في بيروت. هؤلاء مصيرهم مجهول بظل غياب الدولة التام عن متابعة أحوالهم.
تغيب الدولة اللبنانية عن ملف النازحين في الجنوب، وكأنها تسلّم بعدم قدرتها على تأمينهم، وترك الموضوع على عاتق الأحزاب وبعض الجمعيات، على عكس ما يجري في الكيان “الاسرائيلي” الذي يُعاني بسبب نزوح المستوطنين انما في الوقت نفسه يؤمن لهم كل ما يحتاجونه من مسكن وملبس ومأكل.
مع بداية الحرب أطلقت الحكومة خطة للطوارىء، ولكن بعد مرور 6 أشهر ونصف يتبين أن الخطة التي كانت محدودة المدة لم تُنفذ بسبب عدم رصد الأموال لها، فكان النازحون يواجهون بداية الأزمة باللحم الحي، واليوم يعتمدون على مساعدات مالية يقدمها حزب الله للعائلة الى جانب مساعدات عينية يقدمها الثنائي الشيعي في الجنوب.
لم يقصد سوى أقل من 10 بالمئة من النازحين “المدارس” التي خصصت لاستقبالهم، إذ أن الأكثرية الساحقة فضلت استئجار الشقق أو البحث عن بيوت مجانية قدمها أصحابها لإيواء النازحين، وذلك بسبب علمهم بأن النزوح سيطول وهو ما حصل، إذ كان عليهم البحث عن بعض استقرار يكملون به حياتهم.
يواجه النازحون اللبنانيون اليوم مشاكل عديدة، أبرزها الإيواء، خاصة في المدن حيث يتم استغلالهم من خلال مضاعفة بدلات إيجار المنازل والشقق المفروشة إذ وصلت بحسب معلومات “الديار” في بعض مناطق صور الى ألف دولار شهرياً، ويعمل في هذا المجال “نواطير” ولاجئون سوريون وفلسطينيون، يؤمنون الشقق مقابل بدل شهر وأحياناً شهرين، وهو ما أرهق العديد من العائلات التي لم تعد قادرة على الاستمرار، علماً انه منذ فترة يدفع حزب الله مبالغ تصل الى حدود 300 دولار أميركي لبعض العائلات لتسهيل دفع الإيجارات.
في القرى الجنوبية فإن أغلب النازحين اللبنانيين يسكنون دون مقابل، بمبادرات إنسانية من أبناء القرى، ولكن هؤلاء لا يعملون بأغلبهم، لذلك يعتمدون على مساعدات الأحزاب للاستمرار، ناهيك عن مسألة التعليم والطبابة أيضاً، فالحزب والحركة يتكفلون بالطبابة بالتعاون مع المستشفيات، وتحصل كل عائلة على صندوقي معونات شهرياً، ومبلغ مالي يدفعه حزب الله الذي بدأ أيضاً بحسب معلومات “الديار” بدفع مبلغ 12 ألف دولار للعائلة التي تخسر منزلها في القرى الحدودية ولا تملك بدلاً عنه لتسكن فيه، والمبلغ يقسم على الايجار لمدة عام، وشراء الأثاث.
في ملف النازحين اللبنانيين لا وجود للدولة، وهي الدولة نفسها التي يطالب البعض تسليمها سلاح المقاومة لحماية الجنوب والجنوبيين، فالدولة أثبتت اليوم عدم قدرتها على تأمين ملف النازحين فكيف يمكن تسليمها أرواح الناس لحمايتها.
هكذا يشعر أبناء الجنوب المتروكين من قبل دولتهم، كما جرت العادة قبل الاجتياح “الاسرائيلي” وبعده، وقبل التحرير وبعده، وقبل 8 تشرين الأول وبعده.