أواخر الشهر الفائت، أقيم معرض للمنتجات السورية في الضاحية الجنوبية لبيروت. تضمَّن المعرض منتوجات من الألبسة والمواد الغذائية وأدوات التنظيف وحتى التجهيزات الإلكترونية المكتبية والمنزلية. ما لفت في المعرض أنّ أسعار السِلَع ليست فقط أقل سعراً من الأسعار في لبنان، بل حتى أقل من الأسعار في سوريا.
ماذا تعني هذه الظاهرة؟ يعتبر خبراء اقتصاديون أنّ هذه الظاهرة مردها إلى التهريب من سوريا إلى لبنان عبر معابر غير شرعية، وأنّ هذه السلع تدخل من دون أي رسوم جمركية، مستفيدةً من الفوضى المستشرية في لبنان. في هذا السياق، يكشف مرجع أمني لبناني أن «سكك التهريب» من سوريا إلى لبنان، تتضمَّن نوعين من «السكك»، بشرية ومادية، الجامع المشترك بينها أنّ وراءها مافيات بين سوريا ولبنان، تستفيد من أكثر من غطاء، وكما هناك مجموعات تستقبل النازحين، هناك مجموعات تستقبل «شحنات» الصناعات السورية من مواد غذائية ومواد تنظيف والكترونيات منزلية ومكتبية.
نحن هنا أمام نوعين من الاستنزاف: استنزاف الصناعات اللبنانية، من خلال منافستها بطريقة غير متكافئة مع الصناعات السورية، واستنزاف اليد العاملة اللبنانية من خلال مزاحمتها من اليد العاملة السورية.
السؤال المحوري هنا: هل بالإمكان ضبط الحدود؟ وكيف؟ هناك نوعان من الأجوبة: أجوبة سياسية، وأجوبة عسكرية. السياسية منها تتوالى عبر جلسات لمجلس الوزراء، وصدور قرارات لا تدخل حيِّز التنفيذ في الغالب، من خلال المطالبات بالتواصل مع الجانب السوري، وهذه المطالبات تبقى في معظم الأوقات حبراً على ورق.
الأجوبة العسكرية تأتي من القوى العسكرية، وأحدثها ما أدلى به قائد الجيش العماد جوزاف عون، من الجرود، من خلال سلسلة التحذيرات التي أطلقها، ومن أبرزها قوله: «أدعو كلّ مشكّك لزيارة الحدود والاطّلاع ميدانياً على الوضع الذي ينذر بالأسوأ قريباً. فكفى تنظيراً واتّهامات باطلة، انتشارنا على طول الحدود تتخلله صعوبات كثيرة سواء من ناحيتي طبيعة المنطقة الجغرافية أو نقص العديد».
ماذا يعني قائد الجيش حين يدق ناقوس الخطر من خلال قوله: «الوضع الذي يُنذِر بالأسوأ قريباً»؟ ماذا يكون الأسوأ؟ هل من خلال دخول المزيد من النازحين؟ هل من خلال العجز عن توقيف هذا المسار؟ والسؤال الأبرز: هل يمكن ان تكون هناك قطبة مخفية من وراء هذا التحذير؟ وماذا يمكن أن تكون؟ هل أبلغ قائد الجيش المعنيين في السلطة التنفيذية بهذا «الوضع الذي يُنذِر بالأسوأ قريباً»؟ في معلومات خاصة أنّ الداخلين خلسة هُم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والإثنين والعشرين عاماً تقريباً، ومعظمهم من منطقة إدلب، وقد أظهرت الصور التي في حوزة الجيش اللبناني، والتي ما زالت خارج التداول الإعلامي، أنّ الداخلين خلسة ليست بينهم عائلات من آباء وأمهات وأولاد، بل يقتصر على عنصر الشباب، ما يطرح السؤال التالي: مَن ينظِّم هذه الموجة من النزوح؟ لماذا من إدلب أكثر من غيرها؟ هل يمكن الحديث عن خلايا إرهابية مندسة أو «ذئاب منفردة» مندسَّة في هذه الموجات من الشباب؟
الوضع ليس بسيطاً على الإطلاق، فهل من رابطٍ بين ما يجري في عين الحلوة، وبين الدخول المستجِد من سوريا إلى لبنان؟ هل عاد لبنان ساحة لتصفية الحسابات؟ كل الأسئلة مشروعة في بلدٍ مشرَّع.