إلى الخطر الأمني والتكلفة المالية – الاقتصادية للنزوح السوري، لا تنفك الأخطار الاجتماعية والديموغرافية و»الوجودية» عن التجسّد في أزمات ومواقف وقرارات، متأتية عن دول أوروبية خصوصاً، لا تأخذ في الاعتبار «الوجود اللبناني» وهدفها التخلّص من «هجرة افتراضية» للنازحين السوريين من لبنان إلى القارة العجوز، وجعل لبنان «منطقة عازلة» (buffer zone) لمنع تدفّق النازحين إلى الدول الأوروبية المجاورة بحراً، إن عبر الإغراءات والاتكال على الجيش اللبناني لتأدية هذه المهمة وإمّا عبر التهديد بـ»زعل» أوروبا أو عبر السعي إلى دمج السوريين في المجتمع اللبناني بأي وسيلة، عبر المساعدات أو غيرها من الأدوات.
لذلك، ورغم أنّ ما كشفه وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار أخيراً، ليس بالجديد، إلّا أنّ وقعه يبقى نفسه لجهة التخوّف ممّا يُخطّط للبنان من بوابة النزوح. وكان حجار قال في في حديثٍ لـ»تلفزيون لبنان»: «ما من قرار لدى الحكومة حول توقيت فكفكة قنبلة النزوح علماً أنّ القضية لا تتحمّل المماطلة»، كاشفاً عن أنّ «هناك خطّة لاستبدال الشعب اللبناني بالشعب السوري وفي كلّ المناطق اللبنانية». وأشار إلى أنّه سمع، خلال جولته في بروكسيل، «تصريحاً واضحاً من أحد المسؤولين في الاتحاد الأوروبي يقول إنّ مصير السوريين في لبنان كمصير الفلسطينيين».
لكن بدلاً من تصرّف الحكومة بما يلائم ما كشفه أحد وزرائها، سارع رئيسها نجيب ميقاتي إلى الاتصال بالسلطات القبرصية، إثر احتجاج قبرصي على أعداد المهاجرين غير الشرعيين من النازحين السوريين الذين وصلوا أخيراً إلى أراضيها عبر البحر قادمين من لبنان. وأكد ميقاتي للسلطات القبرصية «أنّنا لا نقبل أن نصدّر أزمة النازحين إلى قبرص». كذلك تمنّى على الرئيس القبرصي أن «يطرح في اجتماع الدول الأوروبية المتوسطية المقبل موضوع الضغط على الاتحاد الأوروبي لمساعدتنا في عملية ترحيل النازحين غير الشرعيين من لبنان».
كلام ميقاتي، إضافة إلى معلومات أمنية خاصة بـ»نداء الوطن»، يؤكد أن لا قرار بفتح البحر أمام النازحين السوريين للتوجُه إلى أوروبا، بما يزيل هذا العبء عن كاهل لبنان المنهار، خصوصاً أنّ الآذان الأوروبية لا تسمع أنين اللبنانيين ولا استغاثتهم، ولم تحرّك ساكناً منذ عام 2011 لإنقاذ لبنان من هذا الخطر الكياني، بل حمّلته عبء الأزمة السورية وعمدت إلى مساعدة النازحين السوريين للبقاء والنجاة في لبنان مقابل «فتات» من المساعدات للدولة اللبنانية والمجتمع المضيف.
وتؤكد مصادر أمنية لـ»نداء الوطن» أن «لا صرف نظر عن هجرة النازحين السوريين بطريقة غير نظامية، عبر البحر، من لبنان إلى قبرص»، موضحةً أنّ «إمكانيات الجيش محدودة في ظلّ المهمات المطلوبة منه، لا سيما منها ضبط الحدود والمعابر البرية غير الشرعية»، لافتةً إلى أنّ موجات الهجرة عبر المراكب بحراً تزداد خلال هذا الوقت من السنة، بسبب تحسّن الأحوال الجوية وبالتالي سهولة الإبحار من دون التعرّض لمخاطر العواصف، ما يعني صعوبة في ضبط أو إيقاف جميع المهاجرين، خصوصاً أنّ هناك عصابات محترفة تنظّم هذه الهجرة».
وتعتبر مصادر متابعة لهذا الملف أنّ الجيش يؤدّي واجبه وأكثر على هذا المستوى، منذ سنوات، مشيرةً إلى أنّ قرار فتح الهجرة غير النظامية بحراً أمام النازحين السوريين، ليس في يد المؤسسة العسكرية أساساً ولا يمكنها أن تتخذه أو تتحمّله بمفردها، بل هذا قرار سياسي ورسمي، وهو غير متخذ حتى الآن. أمّا الحلّ الناجع لوقف هذه الهجرة، فيكمن في قرار سياسي لبناني- أوروبي، فالحلّ بالتواصل مع سوريا لإعادة هؤلاء النازحين إلى بلادهم، ما يزيل هذا العبء عن لبنان وقبرص وسائر الدول الأوروبية المعنية.
داخلياً، وإثر الجرائم المتكرّرة والانتشار السوري في مختلف المناطق اللبنانية، تؤكد مصادر أمنية أنّ «المخيمات مضبوطة إلى حدّ كبير، من خلال المداهمات وحملات التفتيش التي يجريها الجيش باستمرار، حيث يضبط أسلحة ومخدّرات ويوقف المرتكبين أو المخالفين». كذلك يستمرّ الجيش في إيقاف السوريين المخالفين في مختلف المناطق ويسلّمهم إلى المديرية العامة للأمن العام لكي ترحّلهم إلى بلادهم.
لكن الجيش ليس الجهة الوحيدة المسؤولة عن هذا الملف، و»إيد وحدة ما بتزقف»، ويستمرّ قائد الجيش في الطلب من الحكومة وجميع المسؤولين الذين يلتقيهم، بأن يتحمّل جميع المعنيين مسؤولياتهم في هذا الملف وألا يبقوا مستقيلين من واجباتهم، من المواطن إلى البلديات والأجهزة الأمنية والقضاء.
وفي معلومات خاصة بـ»نداء الوطن»، أعاد الجيش اللبناني، خلال عام 2023، ترحيل 22 ألفاً و95 سورياً مباشرةً من على الحدود اللبنانية – السورية، خلال محاولتهم الدخول خلسةً إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية. وفي العام نفسه أوقف الجيش 3 آلاف و647 سورياً من داخل الأراضي اللبنانية، خلال مداهمات أو إثر إشكالات، وسلّمهم إلى الأمن العام. أمّا في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، فأعاد الجيش ترحيل(push back) 3 آلاف و357 سورياً حاولوا الدخول إلى لبنان بطريقة غير شرعية، وسلّم 45 سورياً مخالفاً على الأراضي اللبنانية إلى الأمن العام. وبالتالي يكون مجموع السوريين الذين رحّلهم الجيش إلى سوريا، خلال عام و3 أشهر، 29 ألفاً و144 سورياً. علماً أنّ الجيش كان يسلّم إلى الأمن العام المخالِفين المرحّلين مع عائلاتهم، لعدم فصل العائلة بعضها عن بعض.