IMLebanon

الأخطاء السورية القاتلة

كي يكون الحل في سوريا ممكناً، يفترض أن يجيب الجميع عن السؤال. الشواهد تثبت أن الرهانات، الرهانات كلها، كانت كارثية. السلطة ومَن معها والمعارضة ومَن يدعمها، توهّمت أن قبضتها كافية لبلوغ «النهايات السعيدة». لقد اقترفت الأطراف كلها مقتلة دولة وشعب وحضارة. المساعي المبذولة سياسياً، والحلول المقترحة، لا تحتاج إلى هذه الأثمان الباهظة، من القتل والتوحش والحروب وتغيير وجه سوريا إلى الأبد.

أين الخطأ؟

ظنّ النظام، أن «الربيع العربي» لن يتجرّأ على عبور الحدود الحديدية التي أنشأها. المعارضة ظنت أنها قادرة على تغيير النظام وإسقاط الرئيس، بالسلم أولاً وبالإسلام ثانياً وبالعنف المستورد ثالثاً. باء الإثنان بالخسران. كانت سوريا قد دخلت النفق بقدمَيْها، وكان ما كان. التعديلات الشكلية التي قدّمها النظام لم تقنع، وما كان ممكناً أن تقنع المعارضة، التي تطالب بما لا طاقة للنظام أن يلتفت إليه ولا قوة لها لتفرضه. فهو ليس في وارد الحرية والديموقراطية والمساءلة. وكان ما كان. وتقدّمت سوريا بجدارة العنف إلى الحرب.

أين الخطأ؟

لا بدّ من تبرئة المؤامرة. إلباس المؤامرة ثوب الارتكاب، تهرّب من المسؤوليات. خطأ فادح هذه الإحالة إلى عالم الظلال المريبة والدسائس المستترة. خطأ فادح أن لا يعترف الطرفان بأنهما في صراع بعناوين حقيقية… لم يكن هذا كافياً أبداً ولا كان منطقياً. تم استدعاء التاريخ والدين والعقائد. وتمّت الاستعانة بالأصدقاء والأعداء معاً. وتمت تلبية الدعوة بسرعة مذهلة: تركيا أول المراهنين على إسقاط الرئيس والنظام واستبداله «بالإخوان» ومَن معهم. قطر تقدّمت الصفوف. باتت تتصرّف كدولة عظمى. تحارب بأسطول «الجزيرة» وببضع طائرات في ليبيا والكثير من عوائد الغاز وتقاليد «الإخوان».

أين الخطأ؟

السعودية حققت رقماً قياسياً في الفشل. خرجت من الخفاء إلى العلن في قيادة المعارك ببرنامج يحتاج إلى قوى عظمى. في ظنها، تغيير سوريا، تعويض عن خسائرها في العراق وضربة قاصمة لإيران. همّ السعودية إيراني. هوسٌ غير مسبوق ومسٌّ مزمن. إيران «شيطانُها الأكبر»، فهي ضد الحوار معها والتداول في قضايا تخصّ المنطقة. هي ضدّ «الاتفاق النووي» ومع عزلها ومحاربة أذرعها أينما كان. راهنت على «الصديق» أوباما. خانها أوباما علناً. عقد صفقة العصر مع إيران وفتح لها الطريق لاحتلال مكانها الذي تفرضه مكانتها كدولة إقليمية عظمى و… متعقلة حديثاً… الحرب على اليمن، حرب أخرى مشتقة من الحرب السورية… وكان ما كان. فشلت السعودية في تحقيق شيء ملموس. راكمت الخسائر ومعها، فشلت فرنسا وإسرائيل. الحلف السعودي ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي سقط بالضربة القاضية مرتين: الأولى عندما أحجم أوباما عن ضرب سوريا بذريعة استعمال النظام السلاح الكيميائي، والثانية، في التوقيع على الاتفاق النووي… هل تراجع السعودية أخطاءها؟ يحتاج ذلك إلى خسائر أكبر ووقائع نهائية.

غير مفيد الكلام على الجامعة العربية. الضرب في الميت حرام. هي موجودة بصيغة جثة فقط.

أين الخطأ؟

خمس سنوات من الحرب في سوريا برهنت على خسارة الجميع. لم يربح أحد، باستثناء بوتين. النظام خسر رهاناته وقواه وأراضيَ واسعة وكاد أن ينحسر إلى بيئته الحاضنة، لولا الدعم الإيراني و «حزب الله» اللبناني، ولم يستعد توازنه إلا بعد الحسم الروسي.

تركيا لم تربح شيئاً. خسرت رهاناتها كلها. النظام باقٍ ولو مثخنٌ وضعيفٌ ومتعكز على حلف يصدقه. «الإخوان» يأتون رقماً لا قيمة له. الأكراد على الأبواب الخارجية. الأسوأ، انتقال العنف المتوحش إلى مدنها… تركيا تعاني من الأمراض السورية، فهل تراجع رهاناتها؟

أوروبا، بقيادة الغباء الفرنسي، خسرت كل شيء. ها هي ترتجف من ارتدادات الحرب السورية. أقفلت حدودها في وجه المشردين والنازحين السوريين، فيما الإرهاب العابر للحدود يثير فيها رعباً غير مسبوق، وهو رعب مُعدٍ. لا تنام المدن الأوروبية على أحلام وردية. العدو ينام في مكان ما. قريب جداً من أنفاس الناس.

«داعش» في كل مكان. أخطاء الجميع استولدت هذا الوحش. لا أحد بريء من ذمة هذا المخلوق المشوّه. هو الابن الشرعي للخيارات والرهانات المستحيلة. رهانات النظام ومَن معه، ورهانات مَن كان ضده.

كل هذه الأخطاء المريعة، هي برسم المتفاوضين. إنهم ذاهبون لرسم صورة سيئة لسوريا. لن تكون سوريا «الواحدة» موحَّدة من داخلها. سيتمّ اقتسامها بين قوى متنابذة دينياً ومذهبياً وعرقياً. سوريا «الواحدة» لن تكون ديموقراطية، فمعظم الجالسين إلى طاولات التفاوض ليسوا ديموقراطيين أبداً، ومن دون الديموقراطية، لا حرية ولا عدالة ولا مساواة… وعليه، الرئيس الأسد باقٍ لثمانية عشر شهراً كما يُقال. كيف وبأي صلاحيات؟ هذا غير معروف. ماذا بعد 18 شهراً؟ هذا مجهول.

بعد كل هذه الرهانات، نسأل: هل كانت تستحق هذه النتائج الهزيلة، كل هذه الكوارث الكبيرة؟

إثنان فازا في سوريا: بوتين، عبر تدخّله العسكري الحاسم، وأوباما الذي رفض التدخل العسكري في سوريا. الخسارة حصة الباقين جميعاً.