لو ان المسؤولين اطلعوا على التحقيق الموسّع الذي اعدّته واذاعته محطة الـB.B.C البريطانية وكشفت فيه بالشهادات والوثائق، كيف تمكن عناصر من تنظيم «داعش»، عددهم مئات قليلة، من الاستيلاء على مدينة الموصل وبعدها على بلدات ومساحات تقدّر بأربعين ألف كلم مربع، وبوجود جيش عراقي عديده بعشرات الالوف، وسلاحه من احدث السلاح الأميركي، لكانوا سارعوا فوراً الى انشاء خلّية ازمة من كبار الضباط الاستراتيجيين، ممّن هم في الخدمة او في التقاعد، لدرس هذه الظاهرة، وتشريحها ووضع الحلول المؤكدة، لمنع تكرار هذا السيناريو، الذي لا يحدّه عقل، على الارض اللبنانية، ولكن هذه السلطة المدنية المعوقة العاجزة، ملهية بحرب النكايات والنزاعات الطائفية والمذهبية، ومطمورة بآلاف الملفات التي لا تنبعث منها سوى روائح الفساد والسمسرات والتقصير في ادارة شؤون البلاد، في اصعب وادق فترة من تاريخ لبنان، واذا كانت الدول المؤثرة والقادرة، تضغط لمنع امتداد الحريق السوري الى لبنان، فليس لأنها مغرمة بلبنان، أو يعني لها الكثير، فهذه الدول سبق لها وتخلّت عن لبنان منذ العام 1973، وتركته ينهار في حرب مدمّرة استمرت 15 سنة، وضعته بعدها تحت الوصاية السورية لتفعل به ما تشاء، لكن تخوّفها من زحف النازحين السوريين الىها بمئات الالوف، وجدت بلبنان «المضياف» خير معين لها على رعاية مليون ونصف المليون من النازحين السوريين، فتأمن «شرّ» توافدهم الى اراضيها، في مقابل غطاء امني فوق لبنان، لا يعرف متى ينزع ويتمزّق، والاشارات التي تلتقط في هذه الايام، لا تبشّر بالخير، وتؤشّر الى أيام مقبلة لن تكون سعيدة ومريحة للشعب اللبناني.
* * * *
اولى الاشارات، هي الضوء الأخضر الروسي الذي يتسلّح به النظام في سوريا مع حلفائه، لتحرير مدن وبلدات تسيطر عليها المعارضة السورية المسلّحة، بقصف مدمّر لا مثيل له من قبل، ينفذ بواسطة الطائرات الحربية السورية والروسية، ويسقط بنتيجته مئات القتلى والجرحى، تمهيداً لهجوم برّي واسع، سوف يؤدّي حتماً الى نزوح آلاف المدنيين والمسلّحين، وسوف تكون مدينة عرسال، المكان المفضّل لعناصر «داعش» وغير «داعش» للتغلغل في لبنان، وتحديداً باتجاه عكار، ولا يستبعد عندها من ايقاظ «حصان طروادة» المتمركز في المخيمات العشوائية المنتشرة كالفطر في تلك المناطق، في محاولة لارباك الجيش والقوى الأمنية، خصوصاً ان العناصر الارهابية في المخيمات الفلسطينية سيكون لها دور في هذا السيناريو الذي يتم التداول فيه داخل القيادات الأمنية والعسكرية.
الاشارة الثانية، التي حاول اول امس حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ان يطمئن اللبنانيين الى عدم خطورتها، هي القرار الأميركي رقم 2297 الذي جمّد حسابات 95 اسماً ومؤسسة قريبة او متعاونة مع حزب الله، ومجيء مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الارهاب دانييل غلايزر الى لبنان في النصف الثاني من شهر أيار المقبل ليتابع شخصياً مدى التزام لبنان بتنفيذ هذا القرار، لتبني واشنطن على الشيء مقتضاه.
امّا الاشارة الثالثة، والتي لها طابع محلّي، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع رئاسة الجمهورية، فهو مفهوم الشراكة بين المسيحيين والمسلمين، الذي يفسّره فريق من المسلمين في شكل مختلف عمّا يفسره المسيحيون، والذي من شأنه ان يخلق اجواء متوترة لدى العائلات الروحية في لبنان، ان لم يتم التوصل الى تفاهم حوله، وقد أكّد العماد ميشال عون في حديث تلفزيوني، حول هذا الموضوع، انه اذا لم تتحقق الشراكة والتوازن في الحكم، فان لبنان سيكون في خطر.
هذه الاشارات المقلقة، معطوفة على حالات الفراغ والتعطيل والخلافات في الرأي، وقضايا الفساد، وتدهور الاوضاع التجارية والصناعية والاجتماعية والاقتصادية ووقوف الحكومة عاجزة حيالها، ليست اشارات ايجابية تدعو الى التفاؤل، بل تعني ان اللهيب السوري اذا اجتاز الحدود الى لبنان، لن يجد من يطفئه ويقف في وجهه قدر طاقته وامكاناته سوى الجيش اللبناني… ولكن الى متى؟؟