لم يعُد السؤال إذا كان «حزب الله» سيردّ على الغارة الإسرائيلية التي استهدفَت مجموعة من كوادره في القنيطرة. مَن يعرف المقاومة وعقلها وأداءَها يؤكّد أنّ الردّ سيأتي، وأنّ إسرائيل ستجد نفسَها في موقف يشبه موقف «حزب الله» اليوم، وذلك في إطار المواجهة المفتوحة بين الطرفين.
في كلام الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله قبَيل عملية «القنيطرة»، ورَد كلام واضح عن الميدان السوري، وقد أطلقَ نصرالله موقفاً بإسم كلّ محور المقاومة عن «عدم وجود التزام لدى أيّ طرف في هذا المحور بعدمِ الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا».
هذه الرسالة تلقّفَتها إسرائيل، حيث أوحى كلام السيّد بعدم اعتراف إيران وسوريا وحزب الله بقواعد اشتباك واضحة في الجنوب السوري، ما يعني أنّ الوضع القائم لن يستمرّ طويلاً، وأنّ المقاومة الشعبية السورية لتحرير الجولان بدأت بتنظيم صفوفها والتخطيط لعمليات عسكرية ضدّ إسرائيل انطلاقاً منه.
من السهل القفز إلى تفسير الخطوة الإسرائيلية بصفتها ردّاً على كلام السيّد نصرالله والسقف الردعي العالي الذي وضعَه ورسمَه، ولكن مَن يتابع هواجس إسرائيل ومخاوفها يدرك أنّ عدوان «القنيطرة» هو محاولة استدراج لكلّ «محور المقاومة» إلى قواعد اشتباك واضحة على غرار تلك القائمة منذ وقف إطلاق النار بين المقاومة وإسرئيل عقب حرب تمّوز 2006.
إسرائيل تدرك أنّ فتحَ جبهة الجولان سيجعل «دائرة النار» مكتملةً من من الشمال عبر غزّة ومن الجنوب عبر شبعا والجولان. وقد وجَّهت جملةً من الرسائل السياسية والعسكرية عقب اندلاع الأزمة السورية عنوانُها البحث في سُبل الحفاظ على الهدوء والواقع الذي كان قائماً قبل العام 2011، ولم تحصل على أيّ إشارة من شأنها التخفيف من المخاوف الإسرائيلية.
بل ما حصل هو العكس تماماً، فقد باشرَت المقاومة اللبنانية والجمهورية الإسلامية في إيران بتدريب عناصر المقاومة الشعبية السوريّة لتحرير الجولان، ومِن المتوقّع أن تمثّل المقاومة السوريّة عنوانَ المواجهة المقبلة حكماً في تلك المنطقة.
والحال هذه، أرادت إسرائيل من جرّاء عدوانها في «القنيطرة» الدفعَ نحو مواجهةٍ «محدودة» تخرج بعدها بمكاسب سياسية وأمنية أو لنَقُل بقرار دولي يشبه القرار 1701، ولكن فات عن بال العقل الأمني الإسرائيلي أنّ المناطق السوريّة المحتلة مشمولة بقرارات أمميّة، ناهيك عن أنّ فعل المقاومة ضد الاحتلال سيكون فعلاً «شرعيّاً» لأنّه يهدف إلى تحرير أراضٍ محتلّة في التعريف والقانون الدوليَين.
لن يكون حزب الله عنوان المواجهة وعمليات المقاومة في الجنوب السوري، لكنّه سيلعب دوراً محوريّاً في «نقل التجربة» اللبنانية للمقاومة السورية. أمّا ردُّه المتوقّع على «عدوان القنيطرة» فسيكون جزءاً من الحساب المفتوح بين الطرَفين، ومن المفيد التذكير أنّ حزب الله ردَّ على عملية اغتيال لأحد كوادره في عدلون انطلاقاً من مزارع شبعا اللبنانية المحتلة. كان الحزب يريد أن يبعث برسالةٍ لإسرائيل أنّ انهماكه في سوريا لن يصرفَه عن حقيقة النزاع في المنطقة وهو نزاع مع الاحتلال.
لا شكّ في أنّ المقاومة أثناء درسِها سُبلَ الردّ على العدوان، تأخذ في الاعتبار الظروفَ اللبنانية، وهي غير راغبة ولم تكن يوماً ترغب في الحرب، ولذلك سيكون تعاطي المقاومة حازماً ومدروساً ومركّزاً بما لا ينعكس على لبنان، مع العِلم أنّ إسرائيل ذات طبيعة عدوانية ولا يمكن أن يؤتمَن جانبُها ولا تنتظر تبريراً لتعتدي على العرب.