اثارت الضربات الإسرائيلية المتتالية على مقار وقواعد الحرس الثوري الايراني وشحنات الاسلحة الايرانية، وقتل المستشارين العسكريين الإيرانيين في أماكن ونقاط مختلفة من سوريا مؤخرا، جملة تساؤلات واستفسارات عن كيفية توافر المعلومات الدقيقة التي تُمكِن الجيش الاسرائيلي من ضرب هذه الاهداف، في الاماكن والاوقات المحددة، وتحقيق اصابات مباشرة بالارواح، وتدمير شحنات الأسلحة فور وصولها واماكن تخزينها.
بعد الضربة الإسرائيلية الاخيرة التي استهدفت مسؤول مخابرات الحرس الثوري الايراني في سوريا صادق أمين زادة ونائبه وعدد من معاونيه، راجت معلومات عن كشف شبكة عملاء محلية، وإلقاء القبض على بعض العناصر الامنية السورية، التي يفترض ان تكون وفرت المعلومات للجانب الاسرائيلي لضرب الاهداف الايرانية العسكرية الحساسة والهامة.
لم يطلْ الوقت كثيرا، حتى نقلت احدى وكالات الأنباء الاجنبية خبرا مفاده، ان النظام الايراني قرر تقليص عدد الضباط الإيرانيين الكبار ومتوسطي الرتب الموجودين في سوريا، بعد الضربة المميتة التي وجهتها إسرائيل أخيرا لإحدى مقرات الحرس الثوري الايراني في دمشق، والاعتماد على التنسيق مع المليشيات الشيعية المتواجدة هناك وخصوصا، حزب الله اللبناني، للابقاء على النفوذ الايراني فيها، وبرر النظام هذا القرار بأنه لتجنب الانجرار إلى الصراع المحتدم بالمنطقة.
قبل الضربات الإسرائيلية الاخيرة، وبعد عملية طوفان الأقصى باسابيع، طرحت تساؤلات عن اسباب إغلاق جبهة الجولان السورية المحتلة، أمام عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، أسوة بجبهة الجنوب اللبناني التي تولى تاجيجها حزب الله بحجة أشغال الجيش الاسرائيلي والتضامن مع الشعب الفلسطيني في مواجهة الحرب الإسرائيلية الاجرامية ضده، انطلاقا من وحدة الساحات المقاومة لإسرائيل.
الجميع التزم بصمت القبور، ولم يستطيع احد تبرير اغلاق جبهة الجولان في مواجهة الجيش الاسرائيلي، بالرغم من تثبيت عشرات القواعد والمراكز العسكرية التي نشرها حزب الله والمليشيات المذهبية الايرانية والحرس الثوري الايراني، حول الجولان والمناطق السورية الاخرى تحت شعار المقاومة لإسرائيل، بينما تبين ان الهدف الحقيقي هو تهجير السوريين المعارضين للنظام والرافضين لمشروع السيطرة الإيراني على سوريا.
اما في المجالس الضيقة، فقد الصقت تهمة إغلاق جبهة الجولان السوري، بالجيش الروسي الذي ضرب طوقا سريعا، بعد عملية طوفان الأقصى، حول جميع المراكز ومخازن الاسلحة ولاسيما منها الصاروخية والقريبة من الجولان، ومنع اي محاولة لنقل الاسلحة الايرانية وحتى السورية من هذه المراكز وحتى الاقتراب من خطوط التماس على الجولان.
ظهر الاستياء واضحا لدى قوى الممانعة من الموقف الروسي، ليس لمنعه فتح جبهة الجولان السورية ضد إسرائيل كما قيل همساً، وانما لتغاضيه عن الضربات الإسرائيلية الموجعة ضد الاهداف الايرانية المنتشرة بسوريا، دون أن يحرك ساكنا وباستطاعته لو أراد، لفعّلَ صواريخه الحديثة المضادة للطائرات ومنع إسرائيل من تنفيذ هجماتها ضد الاهداف الايرانية.
وهكذا تكون انطباع لدى هذه القوى الممانعة، ان موقف النظام السوري الصامت، او المتوافق ضمناً مع الموقف الروسي، بالسماح لإسرائيل بضرب المراكز والقواعد العسكرية والمليشاوية الايرانية في سوريا، دون اية ردة فعل اومواجهة على مستوى هذه الضربات الموجعة، هو بمثابة تواطؤ متعمد بين الدول الثلاث ضد الوجود الايراني العسكري في سوريا، الامر الذي زاد في منسوب فقدان الثقة بين هذه الاطراف الثلاثة، واتساع هوة الخلافات والتباعد فيما بينها، وتنامي الخشية من ان يكون الدافع وراء هذه الاساليب والسلوكيات الملتوية، ممارسة الضغوط على النظام الايراني، واضعاف نفوذه العسكري والامني، تمهيدا لانهاء تواجده المسلح في سوريا، وتقليص هيمنته الاقتصادية على بعض المرافق والمؤسسات، مايؤدي حتما الى حصر الإمساك بهذه المرافق بالسلطة السورية والقوات الروسية حصرا.
وما زاد في الطين بلّة، الغارات الجويّة الأخيرة التي شنتّها الطائرات الأميركية على معاقل المليشيات المذهبية على طول الحدود السورية والعراقية، ردا على مقتل ثلاثة جنود اميركيين، بمسيّرة انطلقت من احدى هذه المعاقل، ودمرت خلالها معظم القواعد ومراكز المليشيات المذهبية، التي اسسها النظام الايراني ورعاها طوال العقدين الماضيين، تحت ابصار وغض نظر من الولايات المتحدة الأمريكية، لتكون صلة وصل مابين ايران والعراق وسوريا ولبنان، والخط المفتوح، للامداد بالسلاح والعتاد العسكري والاموال، واداة النظام الايراني لنشر وترسيخ مشروعه المذهبي وسيطرته على المنطقة العربية، مايعني ان خط الامداد والتواصل الاستراتيجي هذا، قد اصيب بعطب وضرر كبير وتقطعت اوصاله، وفقد جانبا كبيرا من فاعليته وتاثيره السابق.
هذه الوقائع المستجدة، بدءاً من تواصل الضربات الإسرائيلية ضد المواقع العسكرية والامنية الايرانية دون أي مواجهة لمنعها، وتقليص وجود وسحب المستشارين والضباط الإيرانيين من سوريا، ولو كان هناك تضخيم ظاهري متعمد لهذا الانسحاب، لتفادي الضربات الإسرائيلية المتتالية، ومرورا بمنع فتح جبهة الجولان امام المقاومة ضد إسرائيل، بقرار من الروس اوالنظام السوري، او بالاتفاق بينهما ضد الوجود الايراني، واخيرا ضرب سلسلة القواعد والمنشات العسكرية للمليشيات المذهبية الموالية لايران، على طول الحدود من ايران إلى العراق وسوريا وصولا الى لبنان، من المتوقع ان يكون لهذه الوقائع المستجدة في خضم المواجهة الاقليمية والدولية على هامش الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، نتائج وتداعيات في المرحلة المقبلة ابرزها: ممارسة الضغوط على الوجود الامني والعسكري والاقتصادي الايراني في سوريا، بعدما بات يشكل عاملا منافسا ومزعجا، للنظام وروسيا معا، واصبح وجوده غير مرغوب فيه بعد انتفاء اسباب استقدامه، لمنع سقوط النظام السوري على يد المعارضة السورية يومذاك، ومن خلال ذلك توجيه رسالة ايجابية من النظام السوري، لاستكمال تطبيع علاقاته مع العرب والعالم، ومن بينها كذلك، إصابة خط الامداد والتواصل الايراني الاستراتيجي، بين طهران وبغداد ودمشق وصولا الى بيروت بعطب جزئي على الاقل، الامر الذي يعني ان واقعا أمنيا وسياسيا جديدا قد تكون بالداخل السوري والمنطقة عموما، وبالتالي فإن حركة تواصل وامداد حزب الله بالسلاح والدعم السابقة، قد تتبدل تدريجا جراء ذلك، ولكنها لن تكون كما كانت مفتوحة على مصراعيها في السابق، وقد تتسبب بتاثيرات ومؤثرات مكبّلة لحركة الحزب والتسهيلات الممنوحةله في سوريا من كل النواحي مستقبلا، في لبنان والمنطقة ككل، يجب عدم تجاهلها واخذها بعين الاعتبار، ولو انها ستاخذ بعض الوقت لتأخذ مفاعيلها على ارض الواقع.