يعني استمرار الأزمة السورية، استمرار تدفق اللاجئين السوريين الى تركيا.
ويعني استمرار تدفق اللاجئين، استمرار تصعيد الخلافات بين الدول الأوروبية التي ترفض الموافقة على استقبال حصتها من هؤلاء اللاجئين..
كذلك يعني استمرار هذا التدفق البشري غير المسبوق في تاريخ القارة الأوروبية، تصعيداً في الخلافات بين الدول الأعضاء حول كيفية التعامل مع هذه القضية ببعديْها الانساني والسياسي. حتى إن أهم انجاز حققته أوروبا في طريق الاتحاد، وهو اتفاق شينغن بشأن الحدود المفتوحة بين الدول الأعضاء، بدأ يتداعى ويوشك أن يسقط.
في ضوء هذه الوقائع فان السؤال الذي يفرض ذاته هو: هل ان للاتحاد الروسي مصلحة في تسوية الأزمة السورية، وتالياً في وقف الهجرة السورية الى أوروبا؟ أم أن مصلحته تكمن في استمرار الأزمة لدفع موجات جديدة من المهجرين الى أوروبا ومن ثم لتصعيد الخلافات الأوروبية وتسعيرها؟. أليست هذه أفضل وسيلة للانتقام من الموقف الأوروبي الذي فرض المقاطعة على روسيا على خلفية موقفها في أوكرانيا؟.
لا شك في أن الهجرة السورية المتمادية تضغط على الدول الأوروبية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ولأن تركيا بحكم موقعها الجغرافي المجاور لسورية المنكوبة، هي بوابة هذه الهجرة ومنطلقها الى أوروبا، فان الدول الأوروبية حاولت اغراء تركيا بإقفال معابر الهجرة بتقديم المليارات من الدولارات لمساعدتها على استيعاب المهاجرين داخل أراضيها. غير ان العمليات العسكرية الروسية في شمال سوريا أدت الى اطلاق موجات جديدة وكثيفة من المهاجرين الذين لم تستطع تركيا استيعابهم رغم المساعدات الأوروبية.
وهكذا تمكنت روسيا من توتير العلاقات التركية الأوروبية، ومن توتير العلاقات داخل الاتحاد الأوروبي. وبرزت خلال ذلك المعادلة العسكرية السياسية، وهي ان المزيد من العمل العسكري الروسي في سورية يعني المزيد من المهاجرين. وان المزيد من المهاجرين يعني المزيد من التوترات التركية الأوروبية، والأوروبية الأوروبية.
تفسر هذه المعطيات التراخي الأميركي في التفاوض مع روسيا حول شروط التسوية في سوريا. وهو ما حمل المعارضة السورية على اتهام الولايات المتحدة بالتراجع.. وبتقديم التنازلات لروسيا على حساب حقوق السوريين وعلى حساب مطالب المعارضة.
ومن خلال ذلك يبدو ان العمليات العسكرية الروسية في سورية لا تنتصر للنظام السوري فقط، ولكنها تنتصر للسياسة الروسية في أوروبا من خلال توظيف التهجير أداة للضغط على الاتحاد الأوروبي، ومن خلاله على الولايات المتحدة.
كانت استراتيجية الاتحاد الأوروبي تقوم على التوجه الى الداخل الأوروبي لمعالجة الصعوبات الاقتصادية، وتعزيز العملة الموحدة- اليورو-. غير ان الأزمة الأوكرانية كانت البداية لتحوّل هذه الاستراتيجية الاضطراري الى الخارج لمواجهة المغامرات التي قام بها الرئيس فلاديمير بوتين في شرق أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم التي ضمها الى الاتحاد الروسي بالقوة.
ورداً على ذلك، فرضت أوروبا اجراءات المقاطعة الاقتصادية مع روسيا. وهي اجراءات تلحق الضرر ليس بالاقتصاد الروسي وحده، بل بالاقتصادات الأوروبية ذاتها أيضاً. ثم جاءت أزمة تهجير السوريين لتزيد من الأعباء الأوروبية، ولتصب المزيد من الزيت على نار الأزمة مع روسيا .
لقد تم تهجير أكثر من نصف الشعب السوري. ونصف هؤلاء المهجرين يتطلعون الى مأوى في أوروبا، وهو ما تعجز عنه الاقتصادات الأوروبية، ولا تتقبّله طبيعة مجتمعاتها، وترفض تحمّل أعبائه. يعرف الرئيس بوتين ذلك.. الا انه يعرف أكثر كيف يحسن توظيفه. أما دماء ودموع المهجرين فلا حساب لها في لعبة الأمم!