يجتمع «التحالف الدولي» ضد «داعش» في باريس لتدارس المعركة مع التنظيم المتطرف، وإنجاز استعادة الرمادي، على الأقل. وعلى رغم ان «التحالف» يضرب «داعش» في مناطق سورية، في انتظار تدريبه آلافاً قليلة من المعارضة السورية المعتدلة، فهو يركّز على العراق كون الحكومة هناك يعترف بها الجميع، فيما النظام السوري، الذي فقد شرعيته في نظر العواصم الرئيسية الإقليمية والدولية، يتعذّر التعاون معه ضد «داعش» أو غيره من التنظيمات الإرهابية.
لم تصرح الحكومة العراقية علناً أمام «التحالف الدولي» بأنها ألغت تحفّظها عن توحيد الجبهتين العراقية والسورية ضد «داعش» والمعارضات المسلحة الأخرى، والواقع أن بغداد استجابت لرغبة طهران بهذا التوحيد حين سمحت في الأيام القليلة الماضية لآلاف من متطوّعي «الحشد الشعبي» للقتال في سورية مع فرق من «الحرس الثوري» الإيراني و «حزب الله» اللبناني وبتنسيق غير مسبوق مع الجيش السوري. ويتوقع أنصار «الممانعة» هجوماً مضاداً ضد «جيش الفتح» (وضمنه «جبهة النصرة») لاستعادة إدلب وجسر الشغور وأريحا، وتدارك ما حدث من إخلال بالتوازن العسكري بين النظام والمعارضة المسلحة.
هذا الأمل بالهجوم المضاد أسكت الممانعين عن شكاواهم من السياسات الإيرانية ومعها الروسية تجاه الأزمة السورية، بعدما وصفوا تلك السياسات بالسلبية وشكّكوا في استراتيجيات طهران وموسكو تجاه مستقبل النظام السوري، وتحديداً رئيسه بشار الأسد.
موافقة بغداد على توحيد جبهة القتال ضد المعارضة المتطرفة المسلحة في العراق وسورية يمكن اعتبارها تجربة أولى لتوافقات ما بعد الاتفاق «النووي» بين الغرب وإيران، فلا يُعقل أن يتمرّد «حزب الدعوة» الحاكم في العراق على الولايات المتحدة التي وضعته في سدة الحكم ورعت بواسطته توازنات دقيقة مع طهران تهيئ لتنسيق مقبل أو لصدام، في حال تعثُّر الاتفاق «النووي» في اللحظات الأخيرة.
ويجمع خصوم النظام السوري وإيران وأنصارهما على تصوير المعارضة المتطرّفة المسلحة في العراق وسورية كلعبة خطرة في أيدي قوى إقليمية ودولية، ويتم إطلاق قنابل دخانية لإعاقة الرؤية، فنسمع الجميع ينسب «داعش» الى أعدائه، ويتم تظهير تنظيم «الدولة» ربيباً لطهران أو أنقرة أو واشنطن أو دمشق، بحسب الجهة التي توجّه الاتهام. والمستغرب ان هذا التنظيم الذي يحتل مساحات كبيرة من العراق وسورية لا تزال النظرات إليه تتميز بالاستخفاف وتعتبره مجرد أداة لقوة أخرى.
في انتظار الهجوم المضاد الموعود لـ «الحرس الثوري» الإيراني و»الحشد الشعبي» العراقي و «حزب الله» اللبناني والجيش السوري لاستعادة محافظة إدلب، تتكامل صورة سورية اليوم باعتبارها أرض صراع المستحيلَيْن، النظام والمعارضة. الأول يكاد أن يتحول الى فصيل إداري وعسكري تقوده طهران ومن خلفها موسكو، اما المعارضة فهي أصوات أو صدى لأصوات تخلّت عن الفعل العسكري لتنظيمات متطرفة لا علاقة لها بالشعب السوري ومطالبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. النظام في سورية مستحيل والمعارضة مستحيلة أيضاً، والواقع أن سورية تعاني من حروب الآخرين على أرضها وعلى حساب شعبها الضائع والمشرد. و «حروب الآخرين» تعبير سبق أن استخدمه اللبنانيون للتنصُّل من مسؤوليتهم عن دمار وطنهم، وقد يسير السوريون على خطاهم في ذلك، حين يؤتى بهم الى مؤتمر إقليمي دولي في الطائف أو في مدينة أخرى، ليوقّعوا على إنهاء الحرب والمصالحة وتجديد النظام والعفو العام عن المجرمين المحليين ومعهم الضيوف الذين تسللوا إلى سورية ليقتلوا أهلها ويدمّروا عمرانها باسم شعارات النظام أو المعارضة، أو باسم وعد دولة مقدّسة لم تكن يوماً ولن تكون.