IMLebanon

العمالة السورية منافسة شرسة لـ”اللبنانية”

 

 

400 إلى 500 ألف عامل سوري

 

 

عاد ملف النازحين السوريين ليشعل المشهد اللبناني، حيث انقسم الشارع المحلّي بين مؤيد ومعارض. فالقسم الأول يطالب بإعادتهم إلى بلادهم بعد استقرار الوضع الأمني في عدة مناطق سورية إضافة إلى تورط عدد من السوريين في إشكالات أمنية ودخول آخرين خلسة إلى الاراضي اللبنانية دون أوراق قانونية. والقسم الثاني يرفض تلك العودة قبل توفير الضمانات الأمنية لهم. ولكن ألم يحن الوقت لمطالبة المجتمع الدولي بعودة النازحين الى بلادهم والتخفيف عن كاهل الشعب اللبناني الذي هو بالأصل «يعيش من قلّة الموت»؟

 

لا شك في أن الوجود غير المنظم للسوريين في لبنان، والمسؤولة عنه بالدرجة الأولى الدولة اللبنانية، أدى إلى ارهاق المؤسسات وانهيار البنى التحتية وزعزعة الأمن وزيادة التهريب ومنافسة اليد العاملة اللبنانية والأعمال الصغيرة. وكان قد ألقى وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور الحجار كلمة في مؤتمر بروكسل جاء فيها: «يؤدّي النزوح إلى تجفيف احتياطيات العملات الأجنبية، بحيث أن النازحين يستفيدون من الخدمات المدعومة من الدولة، على سبيل المثال: مصادر الطاقة كالكهرباء والمحروقات والمياه، حيث يمثل استهلاك النازحين من الطاقة إنفاقاً إضافياً للدولة يصل إلى مليار دولار أميركي سنوياً، وهناك الخدمات الطبية كالإستشفاء والدواء، والمواد الغذائية كالخبز وغيره ما يمثل أيضاً إنفاقاً بحدود ثلاثة مليارات دولار إضافية، إضافة الى فقدان اللبنانيين فرص عمل كثيرة، إذ إن معظم النازحين يمارسون نشاطاً إقتصادياً منافساً وغير شرعي، من دون أن يساهموا في دفع الضرائب».

 

كلفة اللجوء بالأرقام

 

في وقت يعيش اللبنانيون أخطر مرحلة اقتصادية ومعيشية في تاريخهم، نشرت الدولية للمعلومات دراسة وأرقاماً صادمة عن وضع النازحين السوريين في لبنان بتاريخ 24 حزيران 2022 جاء فيها: «حوالى مليون ونصف لاجئ سوري يستهلكون يوميأ ما يلي:

 

– اكثر من 400 ألف ربطة خبز.

 

– 350 ميغاوات كهرباء.

 

– أكثر من 130 مليون ليتر ماء.

 

– أكثر من 100 ألف فرصة عمل في مختلف قطاعات الإنتاج في لبنان.

 

– استشفاء في المرافق الصحية اللبنانية، 90 بالمئة على حساب الأمم المحتدة.

 

– تحويلات مالية إلى الخارج بحوالى 65 مليون دولار شهرياً

 

مع العلم أن التقرير الأخير للأمم المتحدة عن الاوضاع في سوريا أشار إلى أن 85 بالمئة من مساحة سوريا أصبحت آمنة ويمكن لأي شخص العودة طوعياً مع ضمانة من الحكومة السورية بعدم التعرض له».

 

منافسة غير عادلة وغير شرعية

 

ويشير الخبير الاقتصادي أنيس بو دياب الى «أن للجوء السوري تداعيات اقتصادية عدة ومنها:

 

– منافسة اليد العاملة اللبنانية بشكل كبير بسبب الكلفة المتدنية لليد العاملة السورية، فهم يعيشون في ظروف معيشية ومستوى معيشي أقل من العائلة اللبنانية التي تتكبد أعباء حياتية مرتفعة.

 

– وهذه المنافسة لا تقتصر فقط على اليد العاملة، بل تطال أيضاً منافسة المؤسسات الصغيرة والتي يمكن أن تكون محلات تجارية وحرفية وصناعات غذائية صغيرة. الأمر الذي يكبد خسائر وتداعيات كبيرة في الحاضر والمستقبل، وليس فقط على أرباب العمل، إنما أيضاً على العائدات الضريبية للدولة اللبنانية، حيث ان صاحب المحل سوري والموظفين أيضاً من الجنسية السورية وغير مسجلين في الضمان الاجتماعي ولا يدفعون الضرائب والرسوم، وبالتالي كلفتها اقل من كلفة تشغيل المؤسسات اللبنانية الصغيرة، وهنا تكون المنافسة غير عادلة وغير شرعية وغير شريفة.

 

– غياب الرقابة على جودة السلع وبالتحديد الغذائية، الأمر الذي يؤدي الى تراجع الامن الغذائي مع ما لذلك من تداعيات خطيرة على المستوى الصحي والاستشفائي. فالسلع التي تدخل الى لبنان يجب أن تكون مرفقة بشهادتين: شهادة منشأ وشهادة صحية، وإذا كانت مصنعة على الأراضي اللبنانية يجب أن تكون مرفقة بشهادة الجودة. أما بالنسبة للسلع الأخرى غير الغذائية كالالكترونيات مثلاً، فتكون إما متدنية الجودة أو مزورة، وتدخل الأراضي اللبنانية تهريباً من دون دفع أي رسوم جمركية، عن طريق عصابات معنية بالتهريب، وليس فقط تهريب البشر وانما السلع والممنوعات والأموال ايضا».

 

– الضغط على البنية التحتية المترهلة أصلاً، حيث أنه لا يوجد كهرباء ولا مياه ولا صرف صحي ولا طرقات سليمة في لبنان.

 

– تأثر الكتلة النقدية في لبنان بسبب الوجود السوري: فالبعض يعتبر أنه إيجابي، ولكنه سلبي بالنسبة لي»، كما يقول بو دياب.

 

مسؤولية الدولة وأرباب العمل!

 

بعيداً عن العنصرية، وعلى الرغم من الحاجة الضرورية للعمالة السورية في لبنان، يحمّل بو دياب الدولة اللبنانية وأرباب العمل مسؤولية هذا الوجود غير المنظم، ويقول: «هناك قوانين لتنظيم العمالة الأجنبية في لبنان فلا بد من تطبيقها، إضافة إلى ضرورة أخذ الموافقة المسبقة أو إجازة العمل من وزارة العمل». ويفيد أيضاً «أن لبنان يحتاج في الأيام الطبيعية إلى ما بين 300 و500 الف عامل سوري للقطاعات الزراعية والعمارة والبناء والصيانة، لأن اللبناني لا يتقن هذه المهن وهي بطبيعتها متدنية الأجر. ولكن اليوم تحوّل العامل السوري إلى منافس قوي للعامل اللبناني في شتّى المجالات الشرعية أو غير الشرعية. وهناك مهن مدرجة في وزارة العمل مثل العمل في القطاع الزراعي والعقاري والصيانة. فيحق له أن يكون عاملاً ميكانيكياً وليس صاحب كاراج، وهناك منهم من يملك محلات تجارية أو حتى يقودون سيارة أجرة، حتى وصل الأمر إلى العمل في طب الأسنان».

 

أضاف، «إلى ذلك تنقّلهم الدائم من لبنان إلى سوريا والعكس، فهذا لم يعد لجوءاً سياسياً، إنما أصبح اليوم نزوحاً اقتصادياً. إن الدولة اللبنانية ومؤسساتها تتحمل مسؤولية التقصير في تنظيم هذا اللجوء. لكن المشكلة أكبر من الدولة اللبنانية، هي مشكلة دولية وإقليمية، مشكلة تحتاج إلى توافق دولي وسياسي لتنظيم عودتهم إلى سوريا».

 

لا شك بأن اقتصاد لبنان ومؤسساته المنهارة لم تعد تتحمل تدفق المزيد من النازحين السوريين إلى لبنان. وتمنى بو دياب وضع ملف النازحين، بعد انتخاب رئيس جمهورية، بشكل جدّي على طاولة المفاوضات الدولية والإقليمية وإيجاد حل ديبلوماسي مع الدول لإعادة تنظيمه والمساهمة في العودة الآمنة للنازحين السوريين إلى بلادهم.

 

لبنان فوّت فرص الإفادة من الصناعي السوري

 

«في سنة 2012، عند بدء النزوح السوري، فوّت لبنان فرصة أساسية وأعطاها لدول أخرى»، يقول انيس بو دياب، «ففي ذلك الوقت، نزح عدد كبير من الصناعيين السوريين من منطقة حلب، المعروفة بصناعة الألبسة والمواد الغذائية إلى لبنان وحاولوا الإستثمار فيه. ولأن الدولة اللبنانية لم تواكب هذا النزوح بشكل له منفعة على الاقتصاد، حيث كان من الممكن استثمار مليارات أو مئات الملايين من الدولارات في الصناعة الوطنية من الاستثمار السوري. أي أن لبنان لم يضع حوافز لاستقطاب رؤوس الاموال الصناعية السورية، ولهذا السبب نزحت هذه الرساميل إلى تركيا والأردن وقبرص ومصر. فلبنان لم يستفد من النزوح السوري لا بل يدفع ثمنه اليوم».