تتّجه الأنظار في الساعات المقبلة الى هامبورغ الألمانية لرصد نتائج أوّل قمّة أميركية – روسية تُعقد على هامش قمّة مجموعة العشرين لمعرفة اتجاه الريح بعدها في أكثر من منطقة من العالم. وعلى رغم كثافة القضايا المطروحة في القمّتين الثنائية والموسّعة فإنّ الملف السوري يتقدمها وسط سؤال عمّا إذا حان أوان الحلول أم إنّ المواجهة ما زالت مفتوحة؟
لن تتمكن المراجع الدبلوماسية والسياسية من رصد مختلف القمم واللقاءات المخصّصة للبحث في الأزمة السورية في هذه الأيام. فقبل أن تنتهي فعاليات «أستانا 5» المنعقدة منذ امس الأول والمخصّصة لإستئناف البحث في مشروع ما سُمّي «مناطق خفض التصعيد» واستكشاف ما يمكن التوصّل اليه، تنتقل الأنظار سريعاً الى هامبورغ إحدى كبريات المدن الصناعية الألمانية حيث تُعقد قمّة «مجموعة العشرين» غداً الجمعة والتي تميزها هذه السنة القمّة الأميركية – الروسية التي ستُعقد للمرة الأولى بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين والتي ستناقش عدداً من الأزمات والقضايا العالقة بين البلدين.
وفي الوقت الذي تتابع هذه المراجع نتائج لقاء أستانا الخامس تترقب بدقة النتائج التي يمكن أن تؤدّي اليها في ظل رعاية الحلف الثلاثي الروسي ـ الإيراني ـ التركي لمعرفة مصير مشروع «المناطق الآمنة» وإمكان الإنتقال به من مجرد فكرة متداوَلة منذ مطلع العام الجديد الى امر واقع جديد ليُبنى على الشيء مقتضاه.
وتعتقد مصادر ديبلوماسية في بيروت أنه وعلى رغم الفصل بين ما يجرى في «أستانا» وما يمكن أن يُطرح في «هامبورغ» في اعتبار أنّ الجانب الأميركي ليس ممثَلاً في الأولى منها جدّياً، فإنّ مجرد تحقيق أيّ تقدّم في مفاوضات أستانا وخصوصاً لجهة الوصول الى رسم المناطق الآمنة والبتّ بحدودها الجغرافية والسياسية والأمنية وتحديد الخطوات التنفيذية لوضعها موضع التنفيذ يمكن للرئيس الروسي أن يتحدث الى نظيره الأميركي من موقع هو الأقوى في هذه المرحلة.
وبنحوٍ واضح سيكون بوتين متسلّحاً بتفاهم هو الأوّل من نوعه حول المناطق الآمنة بين ممثلي السوريين طرفي النزاع النظام ومعارضيه وفي حال العكس، وهو المتوقع نتيجة المصاعب التي تواجه المشروع شكلاً وتوقيتاً وآليات عمل معقّدة بلا رعاية إقليمية ودولية أشمل وأوسع، ستكون هناك مفاوضات بنحوٍ آخر.
فإلى الهمّ السوري، فإنّ على جدول أعمال قمة ترامب ـ بوتين ملفات أخرى تمتد جغرافياً واقتصادياً وعسكرياً من المواجهة المفتوحة في بحر الصين وما بين الكوريتين الشمالية والجنوبية مروراً بما يجري في اليمن وقطر امتداداً الى أوكرانيا والدول المحيطة بروسيا التي كانت تعرف بدول الإتحاد السوفياتي سابقاً عدا عن المفاوضات الدائرة حول الثروات الطبيعية من نفط وغاز في أكثر من منطقة في العالم.
وبناءً على ما تقدّم تتوقف مراجع ديبلوماسية وسياسية عند الملف السوري الأكثر حماوة من بين الملفات الأخرى والذي يعني اللبنانيين وأبناء المنطقة، فتشير الى أنّ ما أنجزه وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي ريكس تيلرسون حتى الآن لا يوحي بأنّ القمّة المنتظرة غداً ستكون حاسمة في كثير من تفاصيل الأزمة السورية، وهو ما يؤدي الى بدايات التفاهم على خطوات عملية بين البلدين، ما عدا تلك المتصلة بترتيبات ميدانية تعزّز التنسيق بينهما وسط عمليات شدّ الحبال المتبادَلة والتي بلغت الذروة بفعل الضغوط التي تمارسها واشنطن لقطع طريق بغداد – دمشق على الفصائل الموالية لإيران والسباق للسيطرة على المعابر الرئيسة على الحدود السورية – العراقية من جانبَي البلدين ومناطق «داعش» المستهدَفة من الطرفين..
وقبل معرفة ما يمكن التفاهم في شأنه بين بوتين وترامب فإنّ جملة من المخاوف ترتسم في الأفق وأخطرها تلك المتصلة بوحدة الأراضي السورية في ضوء الخرائط المعقّدة لمناطق السيطرة بين شمال البلاد وجنوبها ووسطها وشرقها وهو ما يوحي بإمكان ترسيخ النفوذ الخارجي فيها، ما قد يؤدّي الى إقامة «ولايات سورية غير متّحدة» يعكسها السباق الى السيطرة على مناطق «داعش» في الرقة وادلب والصحراء الشرقية ما بين النظام ومؤيّديه من جهة وما بين الفصائل السورية المختلفة تلك التي تنسّق مع واشنطن أو أنقرة من جهة ثانية.
وكلها من العوامل التي تعكس حجم المخاطر التي تهدّد وحدة البلاد وأراضيها طالما أنّ سيطرة أيّ طرف بنحوٍ حاسم غير متوقعة في المدى المنظور، إن لم تكن مستحيلة.
وبناءً على ما تقدّم، وأمام حجم المخاوف من إقامة «الكانتونات السورية» وترسيم حدودها الجديدة، ستبقى الخشية مشروعةً وقائمةً في انتظار جلاء نتائج لقاء «أستانا 5» لتُبنى عليها السيناريوهات المقبلة. مع العلم أنّ الراعي الروسي لهذه المحادثات هو الجامع بين مختلف الأطراف عند الحديث على رعاية أيّ تفاهم لوقف النار وتكريس المناطق الآمنة.
إلّا أنّ مشاركة الأتراك في المناطق الشمالية والإيرانيين في الوسط والأردنيين في الجنوب يعكس الخريطة الجديدة للنفوذ، عدا عن تلك المناطق التي تديرها قواعد أميركية كما هي الحال على مثلث الحدود العراقية – السورية – الأردنية ومعبر التنف تحديداً، وكذلك بالنسبة الى القامشلي والحسكة حيث القواعد ألأميركية الى جانب القوات الكردية.
والى أن تتّضح معالم المرحلة المقبلة تأسيساً على ما يمكن التوصل اليه في لقاءات «أستانا» و«هامبورغ» يبقى على اللبنانيين، وكذلك السوريين، انتظار التفاهمات الدولية لتحديد مستقبلهم القريب قبل البعيد.
والى أن تنقشع الرؤية يتلهّى اللبنانيون بمصير النازحين واللاجئين السوريين ووسائل إعادتهم الى بلادهم في الوقت الضائع. فخرائط سوريا ما زالت قيد البحث، وقبل ترسيمها نهائياً سيضيّع اللبنانيون كثيراً من الوقت في جدل عقيم قد لا ينتهي قريباً.