IMLebanon

لبنان ومسرح الأوكسجين

 

مسرحية الحكم في لبنان ونموذج الإدارة الجماعية لا زالا يتوالان فصولاً، فرادة في الجمع بين الدراما والكوميديا وهزال مؤلم حتى الموت في الحكم وإمعان في الإنحدار والإستهتار. وما بين البكاء اللامتناهي والضحك حتى الجنون يستمر العبث بمصير لبنان ومستقبله.

 

مسرحية « الأوكسجين» التي لعب فيها وزير الصحة حمد حسن دور البطولة، تشاركت مع مسلسل «الهيبة» في الجغرافيا الحدودية حيث جرت إفتراضياً أحداثه الشهيرة، كما شارك وزير الصحة بمبادرتة الذهاب إلى سوريا دون مراجعة الحكومة وبعودته «المظفّرة» النجم المغامر تيم حسن. اللافت أيضاً أنّ وزير الصحة قد علم بالحاجة للأوكسجين قبل أن تفصح المستشفيات عن النقص، وفقاً لما جاء في تصريح نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، وفي ذلك نجاح فني مسرحي آخر يقارب وربما ينافس الفنان اللبناني «فائق حميصي» رائد المسرح الإيمائي.

 

المبكي في المسرحية المقتبسة هو الخفة في تعظيم الإنجاز والتمادي في الإستغباء لدى محاولة البحث عن توظيف سياسي لم يبلغ أهدافه، لا سيما بعد أن كشفت الساعات القليلة التي تلت الزيارة عن تفاصيل الموضوع. أما المؤلم فهو في إحجام كلّ الشركات العاملة في مجال تصنيع وتجارة الأوكسجين عن إعطاء أيّة تفاصيل عن حاجة السوق وأسعار السلعة المذكورة بما عبّر عن ذعر أمني خيّم فجأة على سوق الأوكسجين.

 

وما أن أُُسدلت الستارة عن مسرحية «معانا أوكسجين» حتى رفعت مرة أخرى على فصل جديد هو المواد النووية «الشديدة النقاء» في منشآت الزهراني وطرابلس، التي عبّرت بدورها عن أشد فصول التضليل نقاوةً. ففيما أعلن رئيس الهيئة اللبنانية للطاقة النووية، وهو المرجع العلمي للدولة اللبنانية في هذا المجال، عن عدم خطورة هذه المواد كونها غير قابلة للإنفجار أو للإشتعال لأنّ الإشعاعات المنبعثة منها هي أقل بكثير من معدلات الخطر المحدّدة علمياً، وعن إمكانية الإستفادة منها في البحوث العلمية، أصرّ بيان المجلس الأعلى للدفاع على التحذير من خطورتها وعلى ضرورة تكليف من يلزم لإزالتها ونقلها. وكشفت المراسلات بين المعنيين التي نشرتها وسائل التواصل عن كلفة توازي عدة ملايين من الدولارات لإزالة أقل من 2 كيلوغرام من المواد غير الخطرة.

 

تختصر مسرحيتا الاوكسجين والمواد النووية كلّ الشأن العام في لبنان، بل وتشكّلان النموذج المعتمد لأداء السلطة من تشكيل الحكومة وأزمة الكهرباء ومهزلة اللقاحات ومأساة الدعم للسلع الغذائية، إلى تسيّب الحدود والتهريب والتعلّم عن بعد وحتى آخر التفاصيل. ولكن على الضفة المقابلة لمتحف الشمع الذي يحكم لبنان وأمام مسرحه الهزيل، ينتصب مسرح آخر تديره طهران يتّسم بالجدية ويبشّر بالمزيد من الضياع والتحلّل. فتداعيات الفراغ الذي خلّفته المراهقة الأميركية في النظر إلى الشرق الأوسط تظهر جليّة في انعدام أي توجّه لدى طهران نحو التنازل أو إبراز حُسن النيّة في الملفات الإقليمية، وهي توحي باستمرار سياسة «الإستفزاز والإبتزاز» في منطقة الخليج كما في اليمن ولبنان وسوريا.

 

إمعان طهران في استهداف المبادرة الفرنسية وتطويق الجهود العربية والدولية الداعمة لها، الذي عبّر عنه مساعد رئيس مجلس الشورى حسين عبد الأمير اللهيان منذ أيام، حين أبدى احتجاجه على التحرُّك الدبلوماسي المتعدّد الأطراف، معتبراً أنّ ما يميّز حزب الله عن المكوّنات الرئيسية المعنيّة بتشكيل الحكومة يكمن في أنه يتعاطى مع تأليفها من زاوية إقليمية يتجاوز فيها الحسابات الداخلية، يقدّم عرضاً واضحاً بربط الإفراج عن الحكومة بالتفاوض فوراً مع إيران.

 

كلام اللهيان تقاطع مع ما جاء في مشاركة «سيد حسين موسافيان» الخبير النووي الإيراني في جامعة برنستون والناطق السابق لإيران في مفاوضاتها النووية، خلال الحلقة الافتراضية الـ31 لقمّة «بيروت إنستيتيوت في أبو ظبي». «موسافيان» أكّد أنّ لا مجال اليوم للتفاهم أو التقارب مع واشنطن والعواصم الأوروبية، ولا وسيلة لتناول قضايا المنطقة سوى عبر حوار ثنائي إيراني- سعودي، وأنّ حلّ أزمة لبنان يقتضي دعوة إيران الى المشاركة في الجهود الدولية لحلّ الأزمة. وقال موجّهاً كلامه إلى فرنسا «إنّه إذا كانت هناك مبادرة دولية في شأن لبنان وإنكم تعتقدون أنّ إيران لاعباً أساسياً، يجب عليكم أن توجّهوا الدعوة الى اللاعب الإقليمي الأساسي ليأتي الى الطاولة»، وأضاف إنه لا يرى أُفقاً «للتقارب Rapprochement مع إدارة بايدن الحالية» وإنّ «علينا أن نفكر ونعتمد أكثر على التقارب بين دول المنطقة بدلاً من إنتظار الولايات المتّحدة».

 

ما بين عروض الأوكسجين والمواد النووية -التي تبدو مستمرة – ووحشية المسرح المقابل تمثّل مشهدية إقليمية هي أقرب إلى احتفالية لقبائل ما قبل الإجتماع البشري الذي تكلم عنه إبن خلدون. يمثّل لبنان في المشهدية دور الصيد الثمين الذي تمّ تقييده بشكل وثيق ووضعه في حلقة يحتل مقاعدها أسياد ارتضيناهم، يتداولون في مصير الضحية ولكلّ منها طريقته في التهامها، فيما أُضرمت النار تحت أوعية ضخمة من الزيت والماء للدلالة على الخيارات المطروحة وتعدّد الأذواق.

 

المبكي مرة جديدة أنّ متصدري المشهد اللبناني وأركان قراره، يستجدون نظرة رضى من أسيادهم فيما أُسندت لهم وظائف إضرام النار وتحريك الزيت وهم سعداء بما يقومون به.

 

يقول الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في بيروت «العدو قد يرغمني على الهزيمة ولكنه لن يرغمني على الضحك» ونقول مع شباب لبنان لقد أرغمنا هزالكم على الضحك ولكنكم لن ترغمونا على الهزيمة.

 

مدير المنتدى الإقليمي للإستشارات والدراسات