IMLebanon

من يوقف فلتان الوجود السوري في البلاد؟

 

 

لا، المسألة ما عادت تجوز، وما عاد ممكناً لا النفاق ولا التريّث ولا «بكرا بتنحلّ» ولا «معليش وامسحوها بدقني»… فالمسألة تتّسع وتتمدد مهددة بأن يكون الآتي أعظم! وكلّ الحكاية يمكن ترجمتها اليوم، في هذه اللحظات، بالإشكاليات التي تدور في حنايا بلدات لبنانية كثيرة، بينها بلدة المنصورية – المكلس- الديشونية، تحت عنوان: فلتان الوجود السوري في البلاد!

ما إن تطأ أقدامنا بلدة المنصورية حتى تبدأ الخبريات تتوالى عن سرقات تحدث كل خمس دقائق. كابلات المولدات تختفي. بطاريات السيارات تختفي. الأشرطة النحاسية تختفي. ولا من يحاسب. وكاميرات المراقبة لا تعمل من دون كهرباء. لا حراس والبلدية، كما دولتنا بأمها وأبيها، عاجزة. وماذا بعد؟ نستسلم؟ نتراجع؟ نعود أدراجنا الى بلدة أخرى تعاني أيضا الأمرّين؟ الأمور في لبنان تتدحرج سلباً. وها قد وصل خبر للتوّ: «وجد سوري مذبوحاً في بلدة شعث البقاعية» بعد خبر انتشر قبل أيام «وجد لبناني ضحية مكمن نصبه له عدد من الشبان السوريين في النبعة». فهل ينتظر ما تبقى من فتات دولة حرب شوارع بين لبنانيين وسوريين؟

 

رصاص وجرحى

 

لا، ليس جميع السوريين أشراراً ولا جميع اللبنانيين أنقياء، لكن ما يحدث أن البلد فاض بالسوريين، في وقتٍ يعاني فيه اللبنانيون الأمرّين من قلة خبز ودواء ومياه وسبل بقاء. وما عادت الأعصاب تحتمل المزيد من الأحداث والتفاصيل السوداوية. وأتت الصرخة قوية من بلدة المنصورية – المكلس- الديشونية. فماذا يحدث هناك؟ ليلياً تحدث سرقات في المنطقة والفَعَلة غالباً من السوريين الذين يسكن أكثر من عشرة آلاف منهم تلك البلدة المتنية الجميلة. وآخر الأحداث – وليس آخرها – العراك الذي حصل بين عامل مصري يعمل لدى صاحب أحد المولدات من آل صبح في المنصورية ولاجئ سوري يعمل ناطوراً في مبنى مجاور. إكتشف المصري أن السوري يسرق الكهرباء من المولد فنهاه وقطع خط الكهرباء عنه. حصل تضارب بين الإثنين. ووصل صاحب المولد ويدعى إيليا صبح وتدخل شباب المنصورية وفُضّ المشكل. وعاد صاحب المولد والعامل المصري الى حيث يضع مولداته وعددها سبعة، تحت أشجار الشربين والبلوط، لكن الأمر لم ينته هنا. عاد السوري يرافقه أكثر من عشرين سورياً، يحملون السكاكين والعصي والهراوات والسواطير، وبدأوا يضربون يميناً ويساراً كل من يصادفونه. وصودف مرور سيارة صغيرة، قيل انها من نوع كيا بيضاء اللون، إعترضوها فنزل صاحبها وأطلق الرصاص في الهواء وفي اتجاه المعتدين فأصاب سوريين في قدميهما. فتفرق الباقون. وغادر مطلق النيران. إختفى أحد السوريين المصابين وبقي واحد. فاتصل صبح بالصليب الأحمر الذي نقله الى مستشفى ضهر الباشق ظناً منه أنه المصاب الوحيد. وقد سُئل لاحقاً عن مطلق النار عليه فقال: لم أره… لا أعرفه… الى أن نقل أحد أصحاب الموتورات في المنطقة من آل دحدوح المصاب الآخر الذي قال: إيليا صبح هو من أطلق الرصاص وأصابني. وهكذا إنتهت تلك القصة بتوقيف إيليا صبح وإصابة سوريين بأقدامهما. لكن القصة الأكبر بدأت من حيث انتهت تلك الحادثة. القصة تكمن في حال التأزم بين اللبنانيين والسوريين في تلك البقعة أسوة بكثير من البلدات اللبنانية الأخرى.

 

مشينا في المنصورية، في حيّ بدران بالتحديد، الذي شهد تلك الحادثة ليل السبت – الأحد الماضي. مزارات مارشربل ومارالياس رافعاً سيفه كثيرة في الحيّ. المباني مرقمة والواحات الخضراء لا تزال موجودة بينها. المنطقة جميلة. المنصورية بلدة متنية تشعر الناظر إليها بالإسترخاء والرضى. لكن، ليس هناك مواطنون يتجولون. ولا «دومري». هناك خوف في المنطقة جراء الإعتداءات الأخيرة. ومحطة «وردية» للوقود في الجوار كانت شاهدة على الحادث الأخير. والعامل البنغالي يسرد بأسلوبه الحوادث التي تتكرر في الجوار: «البارحة دقوا باب منزل مدام سيلين ليلاً للتأكد من عدم وجود أحد فيه لكنها كانت في الداخل. حاولوا خلع الباب. صاروا يدقون الباب من الخارج وهي تدق من الداخل. يضحك البنغالي وهو يروي التفاصيل مثبتاً مقولة: المضحك المبكي. ويضيف: لم يغادروا إلا بعد أن تظاهرت أنها تتكلم هاتفياً، بصوتٍ عالٍ، مع القوى الأمنية. ويستطرد: منذ يومين سرقوا هذا المنزل. يدل على بيت في مبنى مجاور. ثم يحكي عن سرقة دراجات نارية. وحين يتعب يقول: سرقات يومية في الحيّ التحتاني قد ما بدكم تقولوا قولوا.

 

السيارة الصغيرة…مرغوبة

 

نتخيل. السرقات «من فجّ وغميق». والرعب واضح لدى الجميع. السيارات الصغيرة من نوع «كيا» و»نيسان» و»ميكرا» هدف السارقين. والسوريون متهمون. يمرّ «موتوسيكل» فيدل عليه البنغالي: هذا أحد السارقين. أصبح الليل مرعباً في البلدة. والجميع يأوون الى بيوتهم كما الدجاج عند الغروب. يتدخل صاحب المحطة بالقول: يتقاضى كل «نفر» منهم العملة الصعبة ونحن أموالنا محجوزة. واليوم، اليوم بالذات، خسارتنا كمحطة 25 مليون ليرة بعدم استقرار الأسعار. حياتنا ما عادت تطاق. إسألوا فرن قيصر ماذا يحدث وسيخبركم العجائب.

 

أشجار بلوط كثيرة في الجوار. طوني صبح شقيق إيليا موجود في المنطقة ويتكلم عن كمية الحجارة التي رميت عليهم ليل السبت – الأحد من السوريين. يتكلم عن ما شاهد وعاش في تلك اللحظات مردداً: «شي متل الكذب». ويقول: صعدنا أنا وشقيقي إيليا الى المخفر بأنفسنا للإدعاء فأوقفوا إيليا. والقاضية كارمن غالب التي تتابع القضية أقفلت هاتفها. ويتكلم عن إبتزاز يتعرضون له من السوريين من أجل إطلاق شقيقه: «قالوا لنا إدفعوا عشرة آلاف دولار ومئة مليون ليرة لبنانية فنتنازل عن الإدعاء». لن نفعل ذلك طبعاً. إتصلنا بفرع التحري ودرك مخفر برمانا لكن إيليا يستمر موقوفاً. والبلدية لم تأخذ أي إجراء جدي. ماذا كانوا ينتظرون أن يرونا نشيّع إيليا ليرتاحوا؟ هل ينتظرون وقوع مصيبة كبرى ليتدخلوا ويحدوا من «همجية» بعض السوريين في بلدتنا؟

 

نخرج من شارع بدران الى الطريق العام. نعبر من أمام «الساعة» عند المستديرة. نقرأ: المنصورية – المكلس – الديشونية. رافقتكم السلامة. نتابع نزولا نحو عمق المنصورية. ثمة محال كثيرة تضع الحديد على واجهاتها. ثمة أمن ذاتي بات مطلوباً. كنيسة مارالياس للروم الأرثوذكس في الجوار. والبلدية على بعد أمتار. وعند مدخلها عبارة: «أردناها لنا وللأجيال من بعدنا واحة تلاق ومحبة وحوار وعمل من أجل الإنسان والعمران». المبنى دشن برعاية ميشال المرّ قبل عشرين عاما. عناصر الجيش حاضرون بالقرب من البلدية. وعدد من حراسها يصغون بغضب وبكثير من «القرف» الى كل التطورات التي تحدث في البلدة. وأحدهم يروي: «نحن خمسة حراس نخدم بعد الظهر لكن، بسبب الأزمة المادية والإقتصادية ومعاشاتنا الزهيدة أصبح عددنا إثنين. لا صلاحية لنا حتى في الدخول الى غرفة مشكوك بها. السوري الذي أتى مع طفل أصبح لديه خمسة أطفال. وإذا أوقفناه، لسببٍ ما، نعاقب ويخرجون لنا النشرة».

 

صورة روي حاموش، إبن المنصورية، الذي قُتل على قارعة الطريق، لا تزال معلقة على جدار البلدية ووالده جوزف يشكو، هو أيضا، من الفلتان. موجوعٌ جداً لا يزال هذا الرجل. ويليام خوري، رئيس البلدية، وصل للتوّ. فكيف يقرأ كل التطورات في البلدة؟ يجيب «حين يكون عدد الغرباء أكثر من عدد أهل البلدة يحدث ما حدث. يضيف: نحن نقوم بكلّ ما يمكننا القيام به «الماكسيموم» وأتمنى ألا يحشرونا أكثر. فمن الآن وصاعداً لن نسمح بتكرار ما حصل وبتمرير أي شيء ونحن لم يعد امامنا سوى الإتكال على انفسنا و»إذا أكرمنا الكريم ملكناه وإذا أكرمنا اللئيم تمرّدا». هذا للأسف ما يحصل عندنا. ونحن لا يمكننا أن نضع حرسا على كل بيت».

 

يتكلم رئيس البلدية على مسمع من أسعد صبح، شقيق الموقوف إيليا، الذي يبدو غاضباً جداً ويتهم صاحب أحد مولدات الكهرباء في الجوار ويدعى جورج دحدوح بأنه هو من دفع السوري الى إتهام شقيقه ويقول «خلال الأزمة إستطعنا الحصول على 300 طن فيول أسبوعياً من الزهراني كنا نوزعها بالتساوي على جميع أصحاب المولدات. أضأنا المنصورية كاملة. ورفضنا حيازة الكمية وحدنا. لذا، لا أدري لماذا فعل دحدوح ذلك. يضيف: يحكمنا قانون أعوج أعرج يحتاج الى تعديل. هوجمنا في عقر دارنا فأوقفونا. فهل نتركهم يدخلون الى بيوتنا ويسرقوننا ويعتدون علينا لنبقى أحراراً؟ ويستطرد: البارحة هاجموا منزل داني حاموش في البلدة. ماذا لو كان في منزله مع ولديه، وهما بعمر خمس سنوات وثماني سنوات، وأطلق النار؟ هل كانوا أوقفوه هو؟ نحن لا نعادي الشعب السوري بل الهمجية السورية. هناك 10 آلاف سوري في بلدة تتسع لخمسين الف نسمة على الأكثر. فهل يجوز ذلك؟ هناك مجمع سكني واحد، في «كعب» المنصورية، جنب كاليري فرساي، يضم ألف سوري. فليرجع السوري الى بلاده».

 

كلام كثير من هذا القبيل يتكرر في البلدة. المواطنون يعانون من السرقات ومن كل التفاصيل التي تعزز الجفاء بين الطرفين. إحداهن، تتدخل، بلسان العقل: «فلتمنع الدولة كل نازح سوري يذهب الى سوريا ويعود بلا أوراق ثبوتية. من هنا يكون الحلّ. فلتعزز الدولة مراقبتها على الحدود وتمنع تهريب البشر الى هنا، بدل الكلام فقط عن أن هناك من رفض إرجاع النازحين الى سوريا. هناك سوريون لا يستطيعون بالفعل العودة وهناك سوريون مفروض أن يُمنعوا من العودة الى لبنان».

 

بلدة المنصورية – الديشونية – المكلس مثال عن بلدات وحنايا كثيرة في لبنان. اللهمّ أن لا يتحقق إنذار أحدهم بأن الآتي سيكون أعظم إذا لم تتدخل الدولة لمعالجة أحداث من هذا النوع… سريعاً.