ها هو عيد الأضحى المبارك، وقد ولت أيامه، وكل ما تحقق لسوريا والسوريين بعد حوالي الخمس سنوات من الحرب الطاحنة المنقلبة من حرب داخلية سورية ما بين النظام السوري وشعبه، إلى حرب بين مجموعة من الدول والقوى الغريبة المتقاتلة على الأرض العربية السورية والملتهبة بنار الخراب والدمار القتل المستمرة.
الإتفاق الروسي – الأميركي، لئن تحقق واستمر ولو لفترة، هو في واقع الأمر قد اتخذ صفة اتفاق الحد الأدنى، أو هو ما يمكن اعتباره اتفاقا مرحليا لتحقيق بعض اللمسات الإنسانية على جباه الشهداء والضحايا الحاليين والمقبلين إلى الموت، نشأ هذا الإتفاق عقب حملة سابقة من اتفاقات وقف اطلاق النار والتي لم تصمد لا يوما ولا ساعة، بل كانت فرصا ملغومة لتمرير مزيد من الدمار والخراب، وتغيير معالم مدن وقرى ومناطق بأسرها، ولإطلاق مزيد من الدفع العسكري والمخططات التهجيرية وتحريك مجموعات ديموغرافية معينة الإنتماء من منطقة إلى منطقة ومن وطن إلى شبه وطن، مع إمعان في حرق وثائق السجلات العقارية والأحوال الشخصية لمسح معالم مناطق واسعة في أماكن حساسة من الأرض السورية وإزالة طابعها الإنتمائي من وجود مستمر على مدى التاريخ البعيد والقريب توطئة لعمليات «جراحية» أثيمة تستهدف تغيير معالم سوريا العربية الإسلامية بواقعها وطابعها وأصالة تاريخها وخلق اهتزاز ديمغرافي ووجودي للوطن السوري، بما يفسح المجال أمام استمرار النظام القائم بوجوده وداعميه والمتآمرين معه، على الإطباق على أعناق السوريين والتحكم بمصير شعب بأسره.
أخشى ما نخشاه أن تستمر روسيا والولايات المتحدة في عملية الضحك على ذقون العرب عموما والسوريين خصوصا، فوسط الإستسلام الأميركي للطغيان الروسي المستمر دون أن تقيده قيود، ودون أن تمنع شدّ جنوده على زناد الأسلحة الإجرامية المختلفة التي تتناول فيها بالقتل والتشريد أطفال ونساء ومدنيي الشعب السوري المنكوب، مؤمّناً حتى الآن الحماية العسكرية الطائلة والقادرة لركائز النظام السوري، ها هي شروط روسيا في الإتفاقية التي يُهلل لها البعض والتي ما تزال حتى الآن مثقلة بالخروقات والإستهدافات الظاهرة والخفيّة، تسهّل علينا سبل الإستقراء والإستنتاج، حيث جاء في طليعة ما أعلنته أنها لن تتوقف عن إطلاق النار والصواريخ على «الإرهابيين السوريين» في أماكن تواجدهم، حتى إذا ما وصلتنا تفاصيل من تستثنيهم من المهادنة ووضعية وقف اطلاق النار، تبين لنا أن الهدنة مرشحة لأن تكون فاشلة سلفا، وأنها مهما هدأت لأيام قليلة، فإنها لن تلبث أن تتهاوى وسط حقيقة الأوضاع التي يبدو أن توافقاتها كائنا ما كانت مظاهرها الإنسانية» المتدفقة» التي تخفي أكثر بكثير مما تظهر، خاصة وأن المستثنى الوحيد من فعالية هذه الإتفاقيات، هو الشعب السوري الثائر على أوضاعه وعلى حكامه وعلى المظالم التي ما زالت تلحق به، وقد ازدادت أهوالها في السنوات الخمس الأخيرة إلى حد بات فيه أكثر من نصف الشعب السورية مشردا بل مطرودا ومهجرا من أرض آبائه وأجداده وقمة المأساة أن رئيس النظام جاء في الخفاء يؤدي صلاة العيد المزعومة وسط دوما التي سويت بالأرض وأخلي سكانها في عملية تغيير ديمغرافي شامل لأهلها جميعا، يرافقه في صلاة العيد «جمهور» من رجال المخابرات والشبيحة ورجل دين واحد هو «مفتي الجمهورية السورية» ومفتي أنقاض حلب التي دمرها النظام، وأصبحت اليوم عقدة القتال التي يتهيأ المنتصر فيها لرفع راية النصر، وكل الدلائل تشير إلى أن هذه الوضعية تكاد أن تكون صعبة المنال ومستحيلة التحقيق.
إنّ كل الإستنتاجات والتوقعات تذهب إلى أن هدنة الأعياد لئن تحققت بعض نتائجها الإنسانية، فأنى منها نتائجها السياسية التي يتلاعب في سبل تحقيقها المتآمران المتفاهمان، أوباما وبوتين.
الولايات المتحدة التي تزداد نسبة تخلّيها عن أدنى الأصول الإنسانية وأعمدة المباديء المتكئة على شرعة حقوق الإنسان، تغرق اليوم في جملة من المشاكل والإشكالات التي ورّطها بها الرئيس القابع على أبواب الرحيل أوباما، وتزداد نسبة تورطها حدّة من خلال الإشكالات الإضافية التي تواجهها آنياً على مستوى الإنتخابات الرئاسية حيث تعاني المرشحة الرئاسية كلينتون من مشكلة الطعن بأهليتها الصحية للحكم، وفي الإنتظار، كل الدلائل تشير إلى أن كل هذه الجيوش العسكرية والمخابراتية التي تعج بها الساحة السورية، تسير بمواكبة أطنان من الإفتعالات التمثيلية والخبث الدولي، وفي طليعته ذلك التوافق الروسي الأميركي الذي يصوره وزير الخارجية الأميركية كيري بأنه الفرصة الأخيرة لإنقاذ سوريا من التقسيم والتفتيت وما سيحل بعد فواتها، مزيد من الدمار وعمليات القتل المبرمج على وقع الحروب المستمرة والتي يزيدها المتآمرون، اتّقاداً ولهيباً.
وبانتظار المراحل المقبلة وفقاً لخطواتها المحددة بموجب التوافق الروسي- الأميركي وقى الله سوريا من شرور ما هو مقبل.