Site icon IMLebanon

“الأسد الجديد”: إستعادة لدور والده؟

ثمة حديث عن تفاهمات بالغة الأهمية جرت بين الرئيس السوري بشار الأسد والقيادة السعودية خلال قمة جدة. والتعبير الأكثر دقة، هو أنّ هذه التفاهمات تمّت في الأشهر والأسابيع الأخيرة، عبر الاتصالات الثنائية المعلنة وغير المعلنة، وقد جاءت القمة مناسبة لتتويجها. وتعيش دول الجوار السوري، ولا سيما منها لبنان، حال ترقّب لاستجلاء طبيعة هذه التفاهمات وانعكاساتها.

يتردّد في بعض الأوساط الديبلوماسية، أنّ القوى العربية والدولية تريد من الأسد أن ينتهج سياسة أكثر توازناً داخل المعادلة العربية والدولية، وأن يأخذ على عاتقه ضمان الاستقرار الإقليمي، تماماً كما كان يفعل والده الرئيس حافظ الأسد لعقود عدة.

 

حينذاك، كان العرب، والخليجيون خصوصاً، يطلبون من النظام ضمانات تعنيهم: منع أي نشاط سياسي أو أمني على الأراضي السورية يهدّد استقرار دول الخليج، المساهمة في ضبط الساحة الفلسطينية، رعاية الاستقرار في لبنان. وفي مرحلة معينة، ضمان معالجة الخصومة مع نظام الرئيس صدام حسين سلمياً. وفي المقابل، كان العرب يوفّرون للأسد ما يحتاج إليه من دعم معنوي ومادي.

 

وأما الغربيون، فالضمانات التي كانوا يطلبونها من الأسد الأب، تتعلق أولاً بإبقاء الحدود السورية مع إسرائيل هادئة حتى التسوية السياسية، وحظر أي حراك أمني كردي يهدّد تركيا، والشراكة في العمل ضدّ التنظيمات الإرهابية، الإسلامية تحديداً. وكان الأسد الأب يتقن أصول التوازن بين تحالفه الوثيق مع الاتحاد السوفياتي من جهة ورعايته المصالح الغربية في المقابل.

 

في العام 2000، عندما خلف الرئيس بشار الأسد والده، كانت تحولات عميقة قد أصابت العالم والشرق الأوسط ولبنان، وأطلت تحوّلات أخرى: انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، اتفاقات أوسلو ومؤتمر مدريد، اتفاق الطائف، ضربة 11 أيلول، ثم سقوط صدام حسين…

 

 

هذه التغيّرات فرضت مناخاً مختلفاً وعناصر جديدة. ووجد الأسد الإبن نفسه في مواجهة مربكة مع مجموعة معقّدة من المتغيّرات.

 

فبعد حرب العراق في العام 2003، سعى الأميركيون إلى إخراج دمشق من لبنان، وبعد ذلك كرّت أحداث ما سُمّي «الربيع العربي». لكن الأهم هو أنّ إيران بلغت في هذه الفترة ذروة نفوذها الإقليمي. ووجد الأسد نفسه حلقة في التحالف الواسع الذي تقوده إيران. وبسبب هذا التموضع، تفكّكت روابط الأسد بالعالم العربي ودول الخليج خصوصاً.

 

وعندما اندلعت الحرب في سوريا، في العام 2011، كان لإيران وحلفائها فضل في حماية نظام الأسد من السقوط. ولذلك، لم تكن لدى الرئيس السوري لا القدرة ولا الإرادة لتلبية مطالب الخليجيين العرب بالابتعاد عن الحليف الإيراني، مقابل الوعد بإعادته إلى «الحضن العربي».

 

واليوم، يعود الأسد إلى العرب، ولكن في ظلّ معطيات مريحة له. فالاتفاق السعودي – الإيراني منحه التغطية ليكون نقطة التلاقي بين الطرفين بعدما كان حلقة في النزاع. أي إنّ الأسد سيسعى إلى الاضطلاع بالدور القديم الذي كان يمارسه الأسد الأب، مع فوارق في طبيعة التوازنات فرضتها تحولات العقود الثلاثة الأخيرة.

 

 

ويتوقع المراقبون أن يستعيد الأسد جزءاً من حضوره الإقليمي، ولكن برعاية إيران. وفي عبارة أخرى، لن يكون الأسد مطلق اليد في مقاربة الأزمات الإقليمية، ولن يعقد الاتفاقات بنحو مستقل مع القوى العربية والدولية، بل سينفّذ المهمّات تحت رعاية إيران التي ستتولّى هي إبرام الاتفاقات. والأرجح أنّ القيادة السعودية الجديدة أدركت أنّ من العبث الرهان على عزل دور إيران في سوريا ولبنان، ومن خلالها هي تقوم اليوم بالتطبيع مع الأسد.

 

ومن هذه الزاوية، يمكن النظر بواقعية إلى الدور الجديد المنتظر من الأسد في لبنان. وفي هذا الشأن، يتمّ اليوم تسويق وجهتي نظر متعاكستين:

ـ الأولى يتبنّاها حلفاء دمشق، وتقول إنّ الأسد في طريقه إلى استعادة المواقع التي خسرها في لبنان عام 2005، لأنّ العرب رضخوا مجدداً لحقيقة أنّه الوحيد القادر على ضمان الاستقرار اللبناني المفقود.

ـ الثانية يردّدها الخصوم، وهي تقول إنّ أقصى ما يمكن أن يكسبه الأسد بعد القمة العربية هو أن يحافظ على موقعه في السلطة داخل سوريا، بعد التعهد بالتزام الإصلاحات السياسية المطلوبة. وأما طموحاته التوسعية في لبنان فقد انطوت صفحتها نهائياً، لأنّ القوى الدولية والعربية التي منحت والده «تلزيم» لبنان في العام 1989، تحت عنوان ضمان استقراره، تخلّت عن هذا الخيار وأرغمته على إنهاء الوصاية، بعدما فشل في التجربة.

 

 

في الواقع، هناك مبالغات في كلا النظرتين لأنّهما تنطلقان من خلفيات تسويق سياسي، لا من القراءة الدقيقة والواقعية لتطور المشهد في لبنان وسوريا والإقليم، وللتحولات التي شهدتها العلاقات بين الأسد والقوى العربية والدولية.

 

وعلى الأرجح، سيكون الأسد قادراً في المرحلة المقبلة على استعادة شيء من الدور في لبنان وبعض الجوار السوري، ضمن حدود معينة وبوسائل وإمكانات محدّدة. لكنه لن يكون سوى واحد من حلفاء إيران. وفي أي حال، لن تكون أوراقه أقوى من أوراق الحليف الآخر «حزب الله» الذي كانت مساهمته حيوية في حماية الأسد، عندما كان نظامه مهدّداً بالسقوط تحت وطأة الضربات العسكرية.