الجلسة النيابية اليوم، التي تحمل الرقم 35 في مسلسل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ستمرّ مثل سابقاتها: بلا مفاجآت، بلا نصاب، بلا انتخابات… وكأن قرارات تحديد الجلسات الانتخابية، والإصرار على تعطيلها، أصبحا جزءاً من روتين الحياة السياسية المتعثرة في البلد!
لا مبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية، ولا ردّة فعل معراب بتبني ترشيح النائب ميشال عون، ولا حتى إصرار «حزب الله» على تأييد ترشيح «جنرال» الرابية لرئاسة الجمهورية، استطاعت أن تحقق الخرق المنشود في مأزق الاستحقاق الرئاسي، وتدفع به على طريق بعبدا، بعد سنة وتسعة أشهر من الشغور في المنصب الدستوري الأوّل للجمهورية!
وبغض النظر عن موعد الجلسة الانتخابية 36، سواء أكان عاجلاً أم آجلاً، فلا تبدو في الأفق القريب بوادر انفراج فعلي في الأزمة الرئاسية، نظراً لتمسّك الأطراف الداخلية بمواقفها المتناقضة والمتباعدة من جهة، إلى جانب احتدام الاشتباك الإقليمي – الدولي في المنطقة، وما قد يحمله من تطورات دراماتيكية على الساحة السورية، من جهة أخرى.
رهانات الأطراف السياسية اللبنانية على حلفاء الخارج، وربط الاستحقاقات الدستورية، وخاصة الانتخابات الرئاسية، بنتائج الصراعات الإقليمية، زادت الوضع الداخلي تعقيداً، وشلّ قدرة اللبنانيين على التحكم بمسار خلافاتهم وأزماتهم، الأمر الذي أوصل البلد إلى الحالة الراهنة من العجز والتعطيل والشلل.
* * *
ولا نبالغ إذا قلنا أن الاهتمام اللبناني بتطورات الميدان السوري، تقدّم على متابعة العديد من الملفات المحلية، على اعتبار ان الاستحقاقات اللبنانية المفصلية، أصبحت أكثر ارتباطاً بحركة مفاصل الحرب المشتعلة في سوريا، والتي لها طابع حرب إقليمية – دولية، يوماً بعد يوم، خاصة بعد التدخل الروسي السافر، وجهر طهران بمناصرتها للنظام عبر ميليشيات لبنانية وعراقية وإيرانية وأفغانية!
ومن المتوقع أن تزداد الحرب السورية اشتعالاً، بعد انهيار محادثات جنيف في جلساتها الأولى، فضلاً عن رفع حدة ومساحة القصف الجوي الروسي لمواقع المعارضة السورية في مختلف المواقع المحيطة بالمدن السورية الرئيسية، وعدم إعطاء الأولوية في المواجهة العسكرية لتنظيم «داعش»، وكأن هدف التدخل الروسي أصبح القضاء على المعارضة المعتدلة، وليس المشاركة في ضرب «داعش» على نحو ما أعلن أكثر من مسؤول روسي مؤخراً.
ولأنه من غير المقبول أن تبقى روسيا اللاعب الأوّل والأكبر في سوريا، بعدما تكشفت حقيقة الدور الروسي في الدفاع عن مواقع النظام وحليفه الإيراني، فإن الحديث عن تشكيل قوات عربية وإسلامية للتدخل البري في سوريا، يعني أن مرحلة التفرّد الروسي في السيطرة على مجريات الأمور الميدانية، قد بدأت بالأفول، وأن ثمة عوامل عسكرية وميدانية أخرى، تستعد للدخول إلى سوريا، لتحقيق التوازن المطلوب على الأرض، وحماية وحدة سوريا، من مخططات التقسيم والتشظي، تحت مسميات خبيثة، كان آخرها شعار: «سوريا المفيدة»!
والكلام الروسي – الإيراني عن «سوريا المفيدة»، والتي تضم المناطق الرئيسية، والأقل تضرراً، والشريط الذي يؤمّن التواصل بين العاصمة دمشق والساحل السوري وعاصمته اللاذقية، ينطوي على تهديدات بالغة الخطورة، على مستقبل سوريا، سواء بالنسبة للسير بمخططات التقسيم، أو حتى تحسباً لسلسلة حروب جديدة، تتداخل فيها الخطوط الداخلية، مع التدخلات الخارجية، وقد تؤدي إلى مواجهات عسكرية مباشرة بين المَحاور المتصارعة على الأرض السورية.
* * *
وعلى ضوء تلك التوقعات المتشائمة للنيران السورية المشتعلة، تصبح الرهانات اللبنانية على نتائج الميدان السوري، أكثر خطورة، على اعتبار أن ساعة الحسم في سوريا ما زالت بعيدة، وأن مجريات الأمور باقية بين كرّ وفرّ، إلى أن يُصار إلى توافق دولي على الكعكة السورية.
فهل لبنان قادر بوضعه المتهاوي الراهن، على أن يتحمّل المزيد من التعطيل لدور الدولة ومؤسساتها، وعدم إجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب فرصة ممكنة؟
ليس من السهل التكهن بقدرة البلد على تحمّل فترة مديدة من التعطيل السياسي، والاختلال الدستوري، في ظل تفاقم الأزمات الحياتية، من أزمة النفايات إلى مشكلة البطالة المتزايدة، والجمود الاقتصادي الخانق، إلى حالة الإفلاس التي تطبق على الخزينة، وتهدّد ما تبقى من سمعة لبنان المالية، داخلياً ودولياً.
أما في حال إصرار الفريق المؤيد للعماد ميشال عون على الاستمرار في نهج التعطيل، وصولاً إلى فرض عون رئيساً على اللبنانيين بالإكراه، وبقوة السلاح، فهذا يعني أن الرئاسة الأولى ليست هي المستهدفة وحسب، بل النظام السياسي برمته، وعموده الفقري المتمثل باتفاق الطائف، والدستور الحالي المنبثق عنه.
ومثل هذا الاحتمال، يُعيد حديث «المؤتمر التأسيسي» إلى دائرة الضوء من جديد، الأمر الذي يُرجّح كفة المراهنين على حدث، أو أحداث أمنية كبيرة، من شأنها أن تقلب الطاولة السياسية رأساً على عقب، وتفرض على كل الأطراف اللبنانية الرضوخ إلى «اتفاق إذعان» جديد، يحمل ختم «المؤتمر التأسيسي»!
* * *
الجلسة النيابية ستكون مثل سابقاتها: لا معنى، لا لون، ولا حدّ أدنى من النهكة الديمقراطية، التي تُشير إلى وجود نظام سياسي ديمقراطي!
والاستحقاق الرئاسي سيبقى أسير التعطيل الممنهج، إلى أن تظهر علامات الفرَج من الميدان السوري!