ما من لبناني، مهما كان دينه او مذهبه، او مهما كانت ميوله السياسية، ينكر او يتجاهل ان الشعب السوري يعيش في هذه الايام، مأساته الكبرى، التي سوف تنعكس على حياته لعقود طويلة مقبلة، أكان داخل سوريا، او في الدول المجاورة التي لجأ اليها هرباً من الموت، ولكن الحقيقة التي يجب ان تعلم وان تقال، أن لا يد للشعب اللبناني بهذه المأساة الكارثة، وهو منذ اربع سنوات ينزف اجتماعياً واقتصادياً ومالياً وامنياً، بسبب النزوح السوري العشوائي المتفلّت من اي ضابط او رقابة او قانون يرعاه تتأمن من خلاله مصلحة الشعبين، وعندما كان الشعب اللبناني يمرّ في خلال الحرب، بمثل ما يمرّ به الآن الشعب السوري وربما اكثر، نسبة الى حجم كل بلد وعدد سكانه، لا اعتقد ان الدولة السورية كانت فاتحة حدودها على مصراعيها لأي لبناني يريد الدخول اليها، بل تسأل وتدقق وتسمح وتمنع، واحياناً تعتقل من تعتبر انهم ضد النظام، وكانت مجالات العمل شبه معدومة، الاّ في اقلّها، ولذلك فان الاعتراضات على التدابير الوقائية الضرورية التي اخذتها الحكومة بتأخير اربع سنوات، من بعض اللبنانيين، ومن السفير السوري في لبنان، هي اعتراضات باطلة وظالمة بحق لبنان وشعبه، وما الاتهامات التي تساق ضد من يطالب بحدّ ادنى من التدابير التي تبقي الشعب اللبناني واقفاً على قدميه، ونعتهم بالعنصرية والشوفينية والانعزالية، سوى واحدة من ادوات الحرب على لبنان، التي خبرها اللبنانيون جيداً منذ العام 1973 عندما حاولت السلطات اللبنانية الحدّ من انفلاش الفلسطينيين وتفلّتهم من كل وازع وقانون، فوقف في وجهها من كان مصمّماً يومها على التدمير وكانت النتيجة ان غلّت يد الجيش اللبناني، واستباح الفلسطينيون لبنان كلّه، وعانى اللبنانيون من حرب استمرت خمس عشرة سنة، فقدوا فيها 200 الف شهيد ومئات الوف المعوّقين والجرحى، عدا عن تدمير البنى التحتية واختلال التوازن الوطني، وهجرة اللبنانيين الى كل اصقاع الارض.
الذين يتركون لبنان يقلّع شوكه بأيديه حتى النزف، أكان من الحكومة السورية المعنية بأبنائها النازحين، او من الدول العربية، او الدول التي تتشدّق بحقوق الانسان وتبتزّ لبنان في الوقت ذاته، هم المسؤولون اولاً واخيراً عمّا يصيب النازح السوري الحقيقي، وفي مقدمهم الاطفال والنساء، والشهادة للتاريخ ان الرئيس العماد ميشال سليمان، عمد منذ بداية النزوح الى لبنان، الى الاتصال المباشر بالامم المتحدة وبالدول الاوروبية وبالولايات المتحدة الاميركية، وبشكل خاص بالدول العربية، بصفتها دولاً «شقيقة» ووضعها بالصورة الكاملة لمخاوفه، وكانت النتيجة التي يعرفها الجميع، خسارة لبنان حوالى ثمانية مليارات دولار كلفة النزوح السوري الى اراضيه، دون حساب الخسائر الاقتصادية الناجمة عن «احتلال» السوريين لاعمال ووظائف ومهن لا حق لهم بها.
* * * *
نشرت الزميلة السفير، منذ يومين تحقيقاً موثقاً بالارقام يكشف عمق المشكلة التي يعيشها اللبنانيون بوجود حوالى مليون ومائتي الف نازح سوري مسجلين لدى الامم المتحدة، 60% منهم لاسباب امنية، والباقي لاسباب سياسية.
هذا التقرير يكفي وحده، ليخجل جميع من يعترض ويهاجم و«يتفلسف» وينظّر، وحتى يهدد بتدابير مماثلة قد تتخذ ضد لبنان وشعبه اذا لم تتراجع الحكومة عن قرارها بتنظيم الدخول الى اراضيها، وهذا حقّ من حقوقها السيادية لا شأن لاحد فيه، وقد تأخر كثيراً.