يذهب الولد السوري اللاجئ الى المدرسة، ثم يختفي قبل أن يكمل أسبوعه الأول، أو شهره الأول، تلميذاً فيها. يكتشف المعنيون أو الإدارة أنه ترك المدرسة من أجل عمل يومي، أو ان أسرته قررت مغادرة مخيم اللجوء أو منزل اللجوء الى مكان مجهول. هذا الأمر يسجل يومياً في المدارس الرسمية والخاصة التي تستوعب تلامذة لاجئين، ما يعني تسرباً في أعدادهم يطرح أسئلة عن إدارة تعليم أولاد اللاجئين في لبنان والإهدار الذي يراكم الأعباء، فلا نحقق نتائج مرضية وإيجابية على مستوى تعليمهم، بينما هناك مئات الألوف من الأولاد لا مقاعد دراسية لهم بسبب عدم وفاء الدول المانحة والجهات المعنية العربية والدولية في دعم اللاجئين ومساعدة لبنان على تجاوز الأزمات التي يعانيها جراء استضافته أكبر عدد من اللاجئين في المنطقة.
وإذا كان هناك تسرب للتلامذة اللاجئين في المدارس، نعرف أيضاً أن عدد الطلاب السوريين في الجامعات، خصوصاً الجامعة اللبنانية قد تراجع الى أكثر من النصف، وفي بعض فروع الكليات لا يبلغ عددهم أكثر من اصابع اليد الواحدة. ومن الطلاب السوريين، لاجئون، ومنهم أيضاً من يأتي للدراسة في الجامعة، كما كان يحصل في سنوات ما قبل الحرب السورية، حيث ناهز عدد الطلاب السوريين قبل عام 2011 في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، الألف طالب، لكن الأمر اختلف اليوم، وما عدنا نرى هذا التدفق، بفعل التطورات والتغيرات التي شهدها لبنان وكذلك سوريا، ما يعني أننا أمام واقع لا يمكن تجاوزه في ما يتعلق بتعليم اللاجئين، والصورة التي تقدم عن إنجازات في هذا المجال، وكأن لبنان في طريقة تعامله مع ملف تعليم اللاجئين عبر وزارة التربية، يقول لدول العالم، أعطونا التمويل وخذوا ما يدهشكم!
ليست صورة الفتى السوري أو الولد الذي يذهب الى المدرسة حقيقة. هي صورة يريد البعض أن يقدمها على أنها واقعية، وهي طريقة لحل مشكلة تعليم اللاجئين، ويسوقها البعض كنموذج صالح يجب الأخذ به لتأمين التمويل، الذي لا يصرف كله على التعليم، فهو ايضاً تمويل تنخره ممارسات الاهدار، ولا سبيل لمعالجته إلا بتغيير الطريقة التي تتم بها إدارة ملف تعليم أولاد اللاجئين، إذ لا يجوز الاستمرار في المكابرة والقول إن لبنان جاهز وقادر على تعليم كل أولاد اللاجئين ومستعد لفتح المدارس الإضافية واستئجار المباني، في وقت لا تستطيع وزارة التربية الحصول على أموال لترميم مدرسة رسمية أو فتح اعتماد لتدريب أساتذة في كلية التربية، أو إعطاء المتعاقدين في التعليم حقوقهم.
ستبقى صورة الفتى السوري اللاجئ، الذي لا يذهب الى المدرسة، حاضرة في واقعنا، لأنه لا يستطيع أن يأكل أحياناً. يغادر هذا الفتى ولا نعرف الى أين، لكن الوجهة معروفة. فلا بد من قراءة مغايرة وتقويم من أجل مقاربة مختلفة لمشكلة اللاجئين