Site icon IMLebanon

عودة النازحين السوريين… مزايدات سياسية لا ترقى إلى خطوات جدية

 

يتمتّعون بظروف حياتية جيدة ويتقاضون مساعدات وبإمكانهم المغادرة

 

 

ليست المرة الأولى التي يلمس فيها مسؤول لبناني وجود رغبة دولية بإبقاء النازحين السوريين في لبنان متجاوزاً أزمة وجودهم وما يترتب عليها. ترفض الهيئات الأممية المعنية بملف النازحين السعي لعودتهم. منذ بدأ الحديث عن العودة قبل سنوات كانت جمعيات دولية ومؤسسات نصّبت نفسها معنية بشؤونهم تحاول إشاعة الرعب في العائدين وحثّهم على رفض العودة، بحجة أنهم قد يكونون عرضة لتهديدات النظام. فيما لم تنفع كل التسهيلات التي قدّمها النظام السوري والعفو العام الذي أعلن. ومحلياً بقيت معالجات المسؤولين الرسميين دون المستوى المطلوب خشية إغضاب المجتمع الدولي. ورغم عدم إفصاحه عن التفاصيل فقد كان لافتاً إعلان المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم عن تقديمه «عرضاً للدول الأممية يقضي بتأمين عودة آمنة للنازحين السوريين بعدما حصل على ضمانة القيادة السورية، ولكن تم رفضه»، جازماً أنّ «لا نية لدى المجتمع الدولي لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم».

 

بعيداً من الكلام السياسي والمزايدات بشأن ملف عودة النازحين السوريين فلا خطوات عملية تعكس جدية النوايا بالعمل على عودة سريعة لهؤلاء إلى بلادهم. كل الوزراء من دون استثناء يتحدثون في مجالسهم الخاصة عن تداعيات أزمة النازحين السوريين على لبنان والتي تفوق قدرته على التحمل. حتى الساعة لا معالجات جدية ولا تواصل لبنانياً رسمياً مع الدولة المعنية بهم، أي سوريا، حول ترتيب عودتهم الى بلادهم. صار بحكم المتفق عليه أن استمرار وجود هذه الأعداد من النازحين يفوق قدرة لبنان على تحمّلهم من كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والانسانية. وتكشف أرقام اللجنة الوزارية للأمن الغذائي أن الإحصاءات أظهرت استهلاك النازحين السوريين ما يقارب 400 ألف ربطة خبز يومياً، أي أن ثلث قيمة الطحين المدعوم في لبنان يستهلكه النازحون السوريون. لم تعد المطالبة بعودتهم الى بلادهم مطلباً معيباً أو أن يُعدّ الحديث عن مشكلة إقامتهم الطويلة في لبنان في خانة العنصرية. الأمر تعدّى هذا المنحى بعد ما يزيد على أحد عشر عاماً على وجودهم في لبنان بظروف باتت في ظل تردّي الوضع المعيشي أفضل حالاً من ابن البلد، الذي بالكاد يحجز دوره لربطة خبز لعائلته أو يكتفي بشراء الضروري من احتياجاته. بات استمرار وجود النازحين السوريين في لبنان محض خطر من كل النواحي. معظم المقيمين في لبنان يتمتعون بظروف حياتية جيدة ويتقاضون مساعدات عن كل فرد من أفراد العائلة، وبإمكانهم المغادرة والعودة ساعة يشاؤون من دون حسيب أو رقيب وعلى مرأى ومسمع المسؤولين في الدولة.

 

ليست معروفة بعد الأسباب التي تحول دون تنسيق لبناني رسمي مع الحكومة السورية بشأن عودة النازحين السوريين إلى ديارهم. في الآونة الاخيرة اكتفت اللجنة الوزارية الموكلة بحث ملف النازحين تكليف وزير المهجرين زيارة سوريا لبحث الموضوع مع الجهات السورية المعنية. بتقدير المطلعين على الجو السوري فإن المطلوب هو التعاطي من دولة الى دولة والا فالامور لن تتجه نحو الحلحلة، والاستعانة بعلاقات وزير المهجرين مع المسؤولين السوريين والمعالجة عن طريق الصداقات والمَونة لن تجدي نفعاً، طالما لم يصدر بعد قرار حكومي يُستتبع بخطوات ومراسلات رسمية وإنشاء لجنة مشتركة سورية لبنانية للتنسيق. التباين اللبناني في الموقف من قضية النازحين واضح وجليّ حتى بين الوزارات، حيث تفيد الاجواء الحكومية عن وجود تباين بين وزيري الشؤون الاجتماعية غير المتحمس لعودتهم مع وزير المهجرين.

 

الانطباع المكون هو أن لبنان لا يزال خاضعاً لإملاءات المجتمع الدولي المصرّ على رفض اي عودة في الوقت الراهن. وأبعد من ذلك فخلال زيارته الى بروكسل للمشاركة في مؤتمر النازحين، خاض وزير الخارجية عبدالله بو حبيب نقاشاً قوياً حول مشكلة استمرار وجود النازحين على الأراضي اللبنانية، فيما لمس وزير الشؤون رغبة دولية بالاستعداد لتوطينهم في لبنان وتأمين اندماجهم في المجتمع اللبناني، وهذه مسألة في غاية الخطورة لأن استمرار وجودهم بهذا الشكل من شأنه أن يعزز الفرقة في ما بينهم وبين اللبنانيين لشعور اللبناني أن النازح السوري يزاحمه على لقمة عيشه.

 

حتى اليوم لم تسجل أية محاولات لبنانية جدية لبحث الملف بل مجرد محاولات من قبل أطراف لا يأخذ بها الجانب السوري ولا يتعاطى على أساسها، وهو الذي سبق وعرض على لبنان إعداد مذكرة تفاهم مشتركة بين البلدين حول كيفية إعادة النازحين السوريين، لم يُجب عنها الجانب اللبناني الذي لم يُعدّ حتى اليوم أية خطة لإعادتهم الى بلادهم. وفي محاولة للحدّ من تفاقم الأزمة وتدفق النازحين المستمر باتجاه لبنان وبأعداد كبيرة. وفيما غابت الأرقام الدقيقة عن أعداد النازحين في لبنان يتوقع ان يكون عددهم قد ناهز المليوني نازح سوري بالنظر الى غياب السجلات والولادات لمكتومي القيد.

 

لسنوات خلت حرصت الأمم المتحدة على منح بطاقات لتسجيل النازحين السوريين كلاجئين لإعفائهم من رسوم الاقامة وما شابه، توقف الامن العام عن الموافقة عليها مؤخراً لفداحة المشكلة وتشعّب انعكاساتها.

 

واذا كان وزير المهجرين يتحضّر لزيارة سوريا للبحث في قضية النازحين فإن من غير المعروف بعد ما هي الصلاحيات التي يملكها للبت بأمور أساسية وللتوقيع على اتفاقيات او تفاهمات خاصة، وان سوريا وعلى سبيل مساعدة لبنان قدمت جملة تسهيلات منها قانون العفو الذي قوبل بإشادة دولية وصرّحت باستعدادها لاستقبال العائدين وإعادتهم إلى قراهم ومدنهم.

 

مصدر مسؤول في وزارة الشؤون استبعد وجود نوايا جدية لدى المسؤولين لمتابعة الملف وتأمين العودة في ظل التخبط بالمسؤوليات وتضارب الصلاحيات، حتى صار ملف النازحين في يد المنظمات والهيئات الدولية في ظل غياب دور الحكومة الرسمي، ويستبعد المصدر أن يكون الاتحاد الاوروبي في صدد التهور بموقف يدعو الى اندماج هؤلاء بالمجتمع اللبناني، وهو المدرك خطورة مثل هذا الإجراء على مستوى التوزيع الطائفي والديمغرافي اللبناني.

 

قبل أسابيع هدد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن لبنان بصدد الاستعانة بالقوانين في سبيل إجبار النازحين على العودة الى بلادهم. شكا أن استمرار وجودهم بات يشكل عبئاً على بلد مأزوم كلبنان لكن لم يعرف بعد ما الخطوات المنوي اتخاذها في هذا السبيل، ام انه موقف سياسي مطلوب تقريشه مساعدات للبنان على استضافتهم؟