IMLebanon

النازحون باقون… 2023: الى “دمج مُقنّع”؟

 

لم يحمل عام 2022 أي إشارة أمل إلى تحقيق عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، بل إنّ تداعيات النزوح على لبنان إلى تعاظم، إقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وخصوصاً ديموغرافياً، في وقتٍ لم تنتفِ مخاطر التوطين أو «الاندماج المُقنّع» بل لا تزال تشكّل خشية كبيرة لدى الدولة، انطلاقاً من تعامل المجتمع الدولي مع ملف النزوح وربط العودة بالحلّ السياسي الشامل في سوريا، فضلاً عن طرح بعض المسؤولين في دول غربية توطين النازحين أو دمجهم في المجتمع اللبناني، حتى لو بشكل غير رسمي.

 

كذلك لم يحمل العام 2022 أي إجراء من الحكومة اللبنانية على مستوى ملف النزوح، على رغم دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المجتمع الدولي إلى «التعاون لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم، وإلّا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم». لكنّ لبنان لم يتخذ أي إجراء من هذا القبيل ولا تزال الدولة تؤثِر عدم الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي، من باب النزوح، لكي لا تُغلق أبواب أخرى في وجهها. أمّا العودة الطوعية للنازحين التي استأنفت الدولة تنظيمها عبر المديرية العامة للأمن العام، في تشرين الأول الفائت، بعد توقُّف نحو 3 سنوات، فلا يُعوّل عليها لتحقيق العودة الكاملة، نظراً الى أنّ المجتمع الدولي لا يشجّع هذه العودة، بل يعتبر أنّ ظروفها غير متوافرة بعد، ولأنّ الأعداد التي تُسجّل للعودة تُعتبر خجولة مقارنةً بعدد النازحين السوريين الموجودين في لبنان. إذ في إطار العودة الأخيرة، لم يتخطَّ عدد العائدين الألف و500 نازح، فيما يبلغ مجموع العائدين الى سوريا منذ بدء عملية العودة الطوعية، 540 ألف سوري، ويوجد في لبنان الآن مليونان و80 الف نازح سوري، بحسب ما أعلن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، في المؤتمر الذي عقده في 25 تشرين الأول 2022.  لكن الحكومة تولي أهمية لهذه العودة، وتقول المشرفة العامة على «خطة لبنان للاستجابة للأزمة» ومستشارة وزير الشؤون الاجتماعية الدكتورة عُلا بطرس لـ»نداء الوطن»: «على رغم أنّ العودة خجولة إلّا أنّ العملية التي ينظمها الأمن العام مهمة، ويمكن أن تحفّز آخرين، خصوصاً بعد أن يشجّع العائدون من هم في لبنان على ذلك إذا شعروا بالأمان، فضلاً عن أنّ مفوضية اللاجئين تتابع وضعهم هناك وتؤمّن لهم مساعدات انسانية».

 

 

خطر الإنفجار الإجتماعي

 

على صعيد المخاطر، دفعت ازمة النزوح مع أزمات أخرى السكان الى الفقر وهذا ما ينذر بانفجار اجتماعي، لذلك إنّ الخوف على الاستقرار جدّي، بحسب بطرس. وتبقى مسألة عودة النازحين الى سوريا، العقدة الأساس بين الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي، إذ إنّ حلّ أزمة النزوح السوري ما زال غير متفق عليه عملياً، وهو مقرون بحسب المجتمع الدولي بإرساء الحلّ السياسي وبتعافٍ في سوريا، خصوصاً  في قطاعي الطاقة والمياه، فضلاً عن سبُل العيش، إضافةً الى ما يعتبره المجتمع الدولي معوقات مرتبطة بالوثائق، الممتلكات والخدمة العسكرية. أمّا الدولة اللبنانية وبعد 11 عاماً، فتطالب بعودة النازحين إلى سوريا، وهي لم تعُد قادرة على تحمّل هذه الاعباء. كذلك طالبت المفوض السامي لمفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي بتفعيل اعادة التوطين في دولة ثالثة لمن هم غير قادرين على العودة الى سوريا، مع تأكيد أهمية العمل المشترك ومع أطراف أخرى معنية لتحقيق العودة.

 

الى ذلك، شهد العام 2022 قرار وقف المساعدات عن بعض النازحين السوريين في لبنان، والذي يدخل حيّز التنفيذ بدءاً من كانون الثاني 2023، وبموجبه ستتلقى نحو 78 في المئة من عائلات اللاجئين السوريين في لبنان (234 ألف أسرة) مساعدات نقدية شهرية، بما في ذلك من مفوضية اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي والمنظمات غير الحكومية، وذلك بسبب عدم كفاية الموارد، ما سيؤدّي إلى انخفاض ​​العدد الإجمالي للأسر التي تتلقى مساعدات نقدية شهرية بمقدار 35 ألف أسرة. كذلك اتخذ المجلس التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي قراراً بتخصيص مشروعه في لبنان للأعوام 2023-2025 مناصفةً بين النازحين السوريين واللبنانيين، بعدما كان يُقسم بنسبة 70 في المئة للنازحين و30 في المئة للبنانيين. لكن لا القرار الأول مرتبط بعودة النازحين أو يساعد في تحقيقها، ولا الثاني سيعين لبنان فعلياً على تحمُّل تكاليف النزوح الباهظة.

 

وتقول المتحدثة الرسمية بإسم مفوضية اللاجئين (UNHCR) في لبنان ليزا بو خالد لـ»نداء الوطن»، إنّ «الأمم المتحدة ستواصل العمل مع الحكومة والجهات الشريكة لتقديم الدعم الحيوي والضروري الى المجتمعات والفئات السكانية كلّها التي تحتاج الى المساعدة في لبنان». وتشير إلى أنّ «90 في المئة من اللاجئين السوريين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية للتمكن من البقاء على قيد الحياة، لذلك فمن الضروري ضمان عدم انخفاض التمويل والدعم للفئات الأكثر ضعفاً».

 

الحلول

 

كذلك لم تحمل الدورة السادسة من مؤتمر «مستقبل ​سوريا​ والمنطقة»، الذي عُقد في أيار 2022، في العاصمة البلجيكية ​بروكسل​، أي جديد يُعتد به. ويبقى التحوُّل الديموغرافي، الخطر الأكبر الناتج من النزوح السوري، إذ يشكّل النازحون 30 في المئة​ من سكان لبنان، و كلّما وُلد طفلان، أحدهما سوري. هذا فضلاً عن العواقب الإقتصادية والامنية والبيئية والضرر الكبير الذي لحق بالبُنى التحتيّة نتيجة زيادة المستخدمين لها.

 

أمّا على مستوى الحلول، فتشير بطرس، الى أنّ وزارة الخارجية تقدّمت بـ15 نقطة للحلّ، وقد وُضعت كإطار للنقاش والحوار مع المجتمع الدولي ومفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين، ضمن الحلول المستدامة، أي العودة وإعادة التوطين في بلد ثالث، في حين أنّ الاندماج محظور دستورياً. وتكشف بطرس أنّ غراندي لم يطالب بالدمج، خلال زيارته الأخيرة للبنان، بل قال إنّ الحل الامثل هو عودة النازحين لأنّ الدول غير قادرة على استقبال جميع اللاجئين، فضلاً عن أنّ التوطين في لبنان مخالف للدستور. وإذ تعتبر أنّ ما يُقال عن أنّ المجتمع الدولي يريد توطين النازحين في لبنان ليس دقيقاً، تشير الى أنّ «عدم التحفيز على عودتهم ومعارضة العودة بأعداد كبيرة ضمن الظروف الحالية هو عامل بقاء على المدى الطويل وهذا ما يخيف الدولة». لكن على رغم غمز المسؤولين اللبنانيين من قناة المنظمات الدولية لجهة تشجيع النازحين على البقاء في لبنان، خصوصاً من خلال المساعدات التي تقدّمها لهم مفوضية اللاجئين، تؤكد بو خالد أنّ «المفوضية ستواصل الانخراط في الحوار مع الحكومة اللبنانية، بما في ذلك مع مكتب الأمن العام في سياق حركات العودة التي ييسّرها».

 

وعلى رغم تكبُّد لبنان حتى الآن، خسائر تُقدّر بنحو ثلاثين مليار دولار أميركي، بسبب النزوح، يبدو أنّ سنة 2023 ستكون كسابقاتها، ولن تحمل أي انفراج على هذا المستوى، وسيبقى النزوح يشكّل عبئاً على لبنان، وخطراً ديموغرافياً وأمنياً، الى حين تقرّر الدولة جدياً ممارسة ضغط معاكس على المجتمع الدولي، إن من خلال ورقة «غض الطرف» عن الهجرة غير الشرعية التي تهدّد أوروبا، أو من خلال استخدام السبل القانونية التي تتيح ترحيل النازحين، خصوصاً أنّه يُمكن إسقاط صفة النزوح عن كثيرين منهم، ممّن يزورون سوريا، إذ إنّ المساعدات التي تُعطى للنازحين في لبنان لن تتوقف، وتمويلها متوافر أقلّه للعام المُقبل. فهل تبادر الدولة إلى الإمساك بزمام هذا الملف عام 2023؟