IMLebanon

ترحيل السوريين المخالفين “أقلّ الإيمان”… والجيش يمنع “الإنفجار”

 

 

علت أصوات أخيراً منتقدةً إقدام الجيش اللبناني على ترحيل سوريين إلى بلدهم، وذلك تحت عنوان «حقوق الانسان» و»حجج» قانونية. لكن لا العنوان «موضوعي» ولا الحجج تسري على حملة المؤسسة العسكرية الأخيرة.

 

ملف النزوح لا يُقارب من منطلقات عنصرية، فأغلبية اللبنانيين باتوا ناقمين على النزوح نظراً إلى تداعياته الكبيرة على البلد، ديموغرافياً وأمنياً واجتماعياً، خصوصاً في ظلّ أزمة غير مسبوقة جعلت لبنانيين «يتسوّلون» الاستشفاء والتعليم ولقمة العيش في حين يستضيف بلدهم نازحين يحصلون على الاستشفاء والتعليم وغيرهما من الخدمات مجاناً من المجتمع الدولي ومنظماته. فلماذا يُرفع مبدأ «حقوق الانسان» في التعامل مع النازحين ولا يُطبّق مع اللبنانيين؟ بأي قانون ومنطق يستضيف بلد نازحين يشكّلون نصف المقيمين فيه؟ وأين حقوق الانسان اللبناني في أمنه وموارد بلده؟

 

لغة الأرقام هي الحاسمة. على المستوى الديموغرافي، هناك مليونان و80 ألف نازح سوري في لبنان، في حين يبلغ عدد المسجَّلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين825,081 نازحاً. وبحسب التقديرات الرسمية، تخطّت كلفة النزوح السوري الى لبنان الـ46 مليار دولار، مقابل دعم دولي لم يتخطَّ الـ8.7 مليارات دولار. ومنذ عام 2011، استهلك النازحون من الدولة في الطاقة على سبيل المثال نحو مليار دولار أميركي سنوياً، وفي الخبز المدعوم، إنفاقاً إضافياً بحدود ثلاثة مليارات دولار، عدا عن استفادتهم من الدواء المدعوم على مدى سنوات. كذلك إنّ معظم النازحين يمارسون نشاطاً إقتصادياً غير شرعيّ من دون أن يساهموا في دفع الضرائب.

 

وبحسب الإحصاءات الرسمية، إنّ 85 في المئة من الجرائم يرتكبها نازحون و40 في المئة من الموقوفين لدى الأجهزة الأمنية المختلفة هم من السوريين. هذا فضلاً عن العواقب الاجتماعية للنزوح وأهمّها التحوّل الديموغرافي للسكّان فكلّما ولد طفلان، أحدهما سوري. ويُضاف الى ذلك عواقب بيئية من النفايات الى الصرف الصحي، والضرر الكبير الذي لحق بالبُنى التحتيّة نتيجة زيادة المستخدمين لها.

 

لكن على رغم واقع النزوح هذا، إلّا أنّ الجيش اللبناني «أُقحم» بما ليس له فيه، فحملته الأمنية الأخيرة التي تستهدف السوريين المخالفين، ليست مرتبطة بملف النزوح مباشرةً. فهو حتى الآن، لم يرحّل أي نازح، بل جميع من رُحّلوا دخلوا خلسةً إلى لبنان ولا يحملون أي أوراق رسمية وثبوتية وليسوا مسجّلين كنازحين. وسبب هذه الحملة أمني بالدرجة الأولى، إذ انطلقت في مناطق تشهد كثيراً من الإشكالات والاعتداءات والجرائم التي يرتكبها سوريون. وبذلك يحول الجيش دون «الانفجار» بين اللبنانيين والسوريين.

 

حملة الجيش هذه ليست وليدة اللحظة، بل بدأت منذ نيسان 2019 بعد قرار للمجلس الأعلى للدفاع كلّف بموجبه الجيش بترحيل جميع السوريين الذين لا يحوزون الأوراق الرسمية اللازمة. لكن بعد أن كان الجيش يُسلّم الموقوفين إلى السلطات المعنية يجرى إطلاق سراحهم لاحقاً، وبعد أن شهدت مناطق عدة إشكالات كثيرة وسرقات واعتداءات، كثف الجيش إجراءاته الأمنية، وقام بمداهمات وتوقيفات، وعمد إلى ترحيل كلّ من لا يملك الأوراق اللازمة وتسليمه الى الجيش السوري. وانطلاقاً من واجب الجيش والمهمات المكلّف بها ومسؤوليته تجاه الأمن الاجتماعي سيواصل هذه الحملة.

 

البعض يتهم الجيش بمخالفة القوانين واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 المتعلّقة باللاجئين، علماً أنّ حملته تستهدف من دخلوا بطرق غير شرعية والمخالفين والمرتكبين. هذا علماً أنّ الاتفاقية المذكورة تقضي بأنّ اللاجئين عليهم أن ينصاعوا لقوانين وأنظمة بلد اللجوء الذي يقيمون فيه. كذلك تشرح مصادر قانونية مختصّة بهذا الملف، أنّ لبنان ليس بلد لجوء قانونياً، فحتّى لو دخل إليه الملايين فهذا لا يعني أنّه بلد لجوء، ولا يُمكن التعاطي معه على هذا الأساس. وتوضح أنّ لبنان ملتزم أساساً هذه الاتفاقية بالمطلق، والجيش لا يقوم بترحيل جميع السوريين أو أي سوري، بل من «يكمشه» بالجرم المشهود ومن لا يملك أوراقاً قانونية ودخل الى لبنان خلسةً. وهذا «أقلّ الإيمان».

 

وعلى رغم عدم مخالفة القانون، إلّا أنّ المصادر نفسها تعتبر أنّ مقاربة هذا الموضوع قانونياً فقط خاطئة، فهو متعلّق بالأمن القومي، لذلك إنّ الترحيل الإداري غير القضائي استثناء، و مبرّر لأنّه وفق قرار صادر عن المجلس الأعلى للدفاع وفي حالتي الجرم المشهود وعدم حيازة أوراق رسمية.

 

على رغم المفاعيل الإيجابية لحملة الجيش الأمنية هذه، يبقى ملف النزوح أبعد من ذلك ويتطلّب إجراءات رسمية تبدأ بضبط الحدود، وفرض رسوم دخول وخروج، وإجازة عمل وضريبة دخل، والتصريح ورسوم إقامة، خصوصاً أنّ «الآتي أعظم»، إذ بحسب إحصاءات بعض المؤسسات المختصة، إنّ 69 في المئة من الأطفال الذين لم تتخطَّ أعمارهم الأربع سنوات هم من السوريين. هذا في حين أنّ موقف المجتمع الدولي، وتحديداً الاتحاد الأوروبي مضرّ بلبنان، في حين أنّ دولاً أوروبية عدة «رحّلت» لاجئين سوريين إلى مناطقهم بعدما اعتبرت أنّها باتت آمنة أو أغلقت باب اللجوء أمام السوريين.

 

أمّا «انسانية» الدول الأوروبية التي تطبّقها في لبنان فليست من منطلقات إنسانية بل مصلحية، فمعاييرها لا تسري على أرضها، وهي تريد لبنان «منطقة عازلة» تمنع تدفّق اللاجئين إليها عبر البحر، وحتى من دون تقديم المساعدات اللازمة للدولة. فأين الحقوق الانسانية للبناني؟ وهل انّ جميع السوريين الموجودين في لبنان مضطهدون؟ منذ سنتين تسابق «النازحون» بعشرات الآلاف الى السفارة السورية مجاهرين بانتخاب بشار الأسد رئيساً.