على الرغم من المحاولات اللبنانية لتحقيق عودة طوعية للنازحين السوريين إلى بلادهم، تبقى هذه العودة «جزئية» ولا يُعوّل عليها لتحقيق العودة الكاملة المرتبطة بالحلّ السياسي الشامل في سوريا، خصوصاً أنّ أكثر من مليوني سوري ينتشرون في لبنان.
حفلت القمة العربية الأخيرة في جدّة السعودية بكلمات لمسؤولين عرب استهدفت موضوع النزوح السوري، وشدّد البيان الختامي للقمة على «ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرّج نحو حلّ الأزمة السورية… بما يُسهم في تعزيز الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين». وإذا كانت عودة النازحين شرطاً لعودة سوريا برئاسة بشار الأسد فعلياً إلى «الحضن العربي»، إلّا أنّ لعودة النازحين من بلدان النزوح، خصوصاً لبنان والأردن وتركيا، إلى سوريا، شروطاً أيضاً. وبحسب وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد، إنّ هذه العودة «تحتاج إلى إمكانات».
وسبق أن أكد الأسد ذلك منذ سنوات، معتبراً أنّ العقوبات التي تفرضها الدول الغربية، وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية، على بلاده، هي «العقبة الكبرى» أمام عودة النازحين. إلّا أنّ الدول الغربية تعارض عودة النازحين في ظلّ حكم الأسد وقبل التوصل إلى الحلّ السياسي الشامل، وفشل المؤتمر الدولي حول النازحين الذي عُقد في دمشق عام 2020 برعاية روسيا، بسبب امتناع الدول الغربية عن المشاركة فيه. ولم تتمكّن روسيا رغم سعيها طيلة السنوات الماضية، من الحصول على دعم المجتمع الدولي لإطلاق مرحلة إعادة الإعمار وعودة النازحين، إذ إنّ الجهات المانحة تربط تقديم أي مساعدات بالتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة.
فهل من تغيير في هذه المعادلة بعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ومشاركة الأسد في قمة جدة؟
توضح مصادر مطّلعة على الموقف الروسي، أنّ روسيا لم تطرح مرةً أي مبادرة رسمية لعودة النازحين، رغم جهودها الدائمة في هذا الإطار، فحتى اللجنة اللبنانية – الروسية التي طُرح تشكيلها عام 2018 لمعالجة ملف النزوح، اقتصرت تسمية أعضائها على الجانب اللبناني فيما لم تُشكّل من الجانب الروسي أو تعقد اجتماعات. ويأتي الموقف الروسي انطلاقاً من اعتبار موسكو أنّ هناك استحالة للوصول إلى حلّ جذري للنزوح السوري إلى دول الجوار من دون تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية، فالحلّ الشامل لعودة النازحين بطريقة منظّمة وكاملة هو حلّ سياسي. وهذا الحلّ السياسي في سوريا من المستحيل أن يتحقّق من دون توافق موسكو وواشنطن. وإنّ توافق موسكو وواشنطن راهناً مستحيل بدوره، بسبب الأزمة الأوكرانية والخلافات التي تتصاعد بين الدولتين. لذلك لا أمل في المدى القريب، في حلّ سياسي شامل للأزمة السورية بسبب التباعد بين واشنطن وموسكو، وبالتالي إنّ حلّ موضوع النزوح مستبعد جداً إن لم يكن مستحيلاً في هذه الفترة.
وإذ تتوافق كلّ الدول الغربية والعربية بما فيها سوريا، على أنّ إعادة الإعمار مدخل أساس لعودة النازحين، توضح مصادر ديبلوماسية مطّلعة، أنّ إعادة الإعمار ليست مطروحة جدياً في خطة واضحة حتى الآن. ومع أنّها ضمن «باكيج» مراحل المصالحة مع النظام في سوريا، إلّا أنّها تتطلّب موافقة غربية وخصوصاً أميركية. وبالتالي، من المبكر القول إنّ مرحلة إعادة الإعمار في سوريا انطلقت، فيما أنّ الخطوة التالية بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ستكون تبريد الأزمة تمهيداً لإيجاد حلّ، ما يحتاج إلى خطوات عدة ومن ضمنها إعادة الإعمار. لكن حتى الآن الموقف الأميركي لا يعترف بشرعية النظام السوري، وضدّ «التطبيع» مع نظام الأسد، كما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أخيراً. وبالتالي إنّ واشنطن لن توافق على ضخ الأموال لإعادة الإعمار في سوريا من الهيئات المالية الدولية، من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى غيرهما من المؤسسات.
فإلى أي حدّ ستكون الدول العربية مستعدّة لضخ أموال في سوريا، في غياب الضوء الأخضر الأميركي؟ قطر أقلّه تُجاري واشنطن، ولا يزال موقفها سلبياً من سوريا، علماً أنّ الجامعة العربية كانت واضحة بأنّ إعادة سوريا لا تلزم الدول بالمصالحة لأنّ هذا حق سياسي لكلّ دولة في علاقاتها الخارجية. حتى السعودية، التي يعتقد البعض، أنّها تبتعد من الولايات المتحدة وتصطدم معها، توضح المصادر الديبلوماسية، أنّ هذا اعتقاد خاطئ، والدليل الأخير على ذلك، استقبال الرئيس الأوكراني في القمة العربية في جدّة، إرضاءً لواشنطن، ومن دون الاهتمام بالموقف الروسي. فرغم التمايز السعودي في بعض المواقف والقرارات عن واشنطن خصوصاً في منظمة «أوبك»، إلّا أنّ العرب لا يمكنهم أن يخرجوا من المظلّة الأميركية، بحسب المصادر نفسها، فاستراتيجياً، سيظلّ العرب إلى مدى بعيد ضمن المظلّة الأميركية والغربية.
لذلك، لا يزال من المبكر الحديث عن إعادة الإعمار في سوريا التي تتطلّب خطوات إيجابية من النظام السوري لكي يُطمئن هذا الأخير المجتمعين العربي والدولي إلى أنّ هناك نوعاً من التغيير في سياسته وأدائه. وإذ إنّ عودة النازحين تقتضي خطة لإعادة الإعمار، فهذه الخطة تتطلّب بدورها تمويلاً، فيما تشير التقديرات الأولية من أكثر من جهة دولية، إلى أنّ كلفة الإعمار تبلغ 250 مليار دولار فيما يرى البعض أنّها قد تصل إلى 500 مليار دولار. فمن أين ستأتي هذه الأموال في ظلّ الرفض الغربي؟ فالدول العربية، وحتى السعودية التي تُعتبر المموّل الأكبر، لا تستطيع تغطية كلفة إعادة الإعمار في سوريا، هذا إذا قرّرت الإقدام على ذلك من دون موافقة أميركية.