نشدُّ جميعاً على يد عبدالله بو حبيب بعدما شجب في رسالة الى المفوضية الأوروبية موقف برلمان ستراسبورغ من النازحين السوريين في لبنان، لكن عليه ألا يعتقد أنه أدَّى قسطه للعلى، فبالكاد عوَّض واحداً في المئة من التقصير والتواطؤ والخداع التي تَصِم، في هذا الموضوع الخطير، وزارتَه وحكومته والمنظومة التي يمثلها في قصر بسترس.
ما أثار استنكار بو حبيب هي تلك الفقرة في قرار البرلمان الأوروبي التي تشجع عملياً على بقاء النازحين تحت عنوان «العودة الآمنة»، ومع أنها الجزء الوحيد الرديء في القرار الذي وضع النقاط على حروف الأزمة اللبنانية ودلَّ بالاسم على الفاسدين والمعرقلين، فإنها زوَّدته مبرراً للتنديد كونها غطّت بقباحتها على العناوين الممتازة التي تشكّل خريطة الإصلاح والخروج من الانهيار.
قضية النازحين لا تغيِّر فيها جذرياً قرارات أوروبية أو دولية، لأنها شأن لبنان وسوريا في الأساس. وتلك الشجاعة في الهجوم على قرار ستراسبورغ، لو رأينا عُشرها في مقاربة الحكومة للموضوع مع دمشق لربما عاد نصف هؤلاء وكان الباقي على الطريق.
في المناسبة، بدت متأخرةً في الأهداف والتوقيت تظاهرة الاستنكار الأخيرة التي نفذها التيار العوني قبل أيام أمام مقر الاتحاد الأوروبي. فهو وحلفاؤه الممانعون كانوا في السلطة منذ بدأ النزوح زمن حكومة «القمصان السود» الميقاتية، ولم يقدموا سوى ما يفعلونه اليوم، أي تحميل الآخرين وزر التقصير. أما جواب ميشال عون عمَّا إذا تطرق الى هذا الوضع الكارثي في أثناء زيارته الأخيرة لقصر المهاجرين، فيشبه صمته المطبق جواباً عن سؤال إثر حجِّه التاريخي الى مسقط مار مارون في براد: هل أثرت قضية المفقودين والمعتقلين فخامة الرئيس؟
كلنا نستنكر السلوك الأممي والأوروبي الذي يشجع عملياً على بقاء النازحين. لكن أهل السلطة الذين استفاقوا اليوم، لم يتخذوا أي إجراء مسؤول لمنع تمدّدهم أو لتنظيم إقامتهم أو لإعادتهم بعدما ثبت أنّ معظمهم متعاطف مع النظام، وأنّ عشرات الألوف منهم انتخبوا بالدم في سفارة بلادهم تأييداً لبشار.
لا أحد يحمِّل التيار العوني وممثله في وزارة الخارجية المسؤولية الأولى في قضية النازحين، إذ إنّ «حزب الله» يتحمل مسؤولية مزدوجة وأكبر بكثير. فقتاله في المناطق المحاذية للبنان ساهم بقوة في تهجير أهلها السوريين، وعلاقات الدم والمصير المشترك مع النظام كان يجب أن تؤهله لتأدية دور معاكس وحاسم في إعادة كثيرين. ولا نصدّق أن من دفع آلاف القتلى والجرحى لتثبيت سلطة آل الأسد عاجز عن فرض عودة من صاروا عبئاً على الاقتصاد اللبناني وعبوة قابلة للتفجير.
صار ما روَّجت له الممانعة وممثلوها عن وجوب التطبيع مع نظام الأسد لتمهيد الطريق أمام عودة النازحين. وفهمنا كما تعوَّدنا أنّ النازحين إحدى الأوراق في يد دمشق، وهي منذ أيام الأسد الأب لا تتخلى عن ورقة بلا ثمن. فأين نتائج الزيارات الرسمية والوفود المعزّزة بالمدَّاحين والمطبلين؟ وهل يؤمَل من الوفود المقبلة إنجازات غير الإشادات والترحيب وضرب المواعيد؟
محقٌ بو حبيب في التخلي عن رئاسة الوفد الوزاري شرط أن يكون أدرك أنّ دمشق لا تريد إعادة النازحين بعدما «عدَّلت التركيبة السكانية» بما يناسب سيطرة النظام على مواطنيه. أما إذا استنتج خلاف ذلك، فالله هو المعين!