IMLebanon

“شعبٌ واحد في بلدين”… هل أصبحت أمراً واقعاً؟

 

المشهد سوريالي: زحمةُ لبنانيين في المطار، في طريق المغادرة، وزحمة سوريين على الحدود، في طريق الدخول إلى لبنان. الزحمتان غير عادلتيْن وغير متكافئتين في ما يتعلّق بلبنان. اللبنانيون المغادرون، عدا المغتربين، هم من جيل الشباب الذين أنهوا دروسهم الثانوية ويريدون أن «ينزحوا» إلى الدول الاوروبية أو كندا أو الولايات المتحدة الاميركية أو استراليا، من أجل إكمال دروسهم الجامعية، كثيرون يبقون حيث هُم، ونادراً ما يعودون إلى لبنان، لينضموا إلى فئة المغتربين الذين يزورون بلدهم في الصيف، تماماً كما يفعل «جيل» المغتربين الحالي.

 

المنتظرون من السوريين على الحدود السورية اللبنانية، يدخلون بالمئات يومياً، في ظل تواطؤ النظام السوري، وتسهيل من قوى الأمر الواقع على جانبَي الحدود، وتأمين الانتقال اللوجستي على يد شبكات تهريب تتولى نقلهم، ليس فقط احياناً من الحدود، بل من أمكنة إقامتهم في سوريا إلى أمكنة «إقامتهم» في لبنان. يروي لي أحد السوريين أن كل ما يُحكى عن «إجراءات» للحيلولة دون دخول السوريين خلسة، مثير للاشمئزاز، فيكشف أنّ شبكات التهريب لديها تراخيص حمل سلاح وتتجوّل في سيارات رباعية الدفع وبزجاج داكن، تستطيع أن تدخل إلى مناطق النظام السوري، تنقل النازح من مكان اقامته، وتعبر به إلى لبنان إلى المكان الذي يريد ان يقيم فيه. يكمِل الرواية فيقول: التسعيرة محددة، وهذا عملٌ يومي، يكفي أن يعرِّف «الناقل» عن نفسه، ويُبرز بطاقته، إذا اقتضى الأمر، حتى تُفتَح أمامه الطريق، بدل أن يُفتَح محضر في حقِّه. النظام السوري يتعاطى مع مواطنيه كأنهم عبء عليه، يسهِّل «نزوحهم» إلى لبنان كما إلى الدول التي له حدود مشتركة معها كالاردن وتركيا والعراق، حتى يُقال إنّه في بعض المراحل «شريك» لشبكات تهريب البشر إلى اوروبا بحراً عبر لبنان، كما هو وراء شبكات تصنيع الكبتاغون وتهريبها إلى دول الخليج عبر الأردن.

 

حين يصل النازح إلى لبنان، يُمنَع عليه أن يعود إلى سوريا، إذا كان لبنان وسوريا يتساويان في الانهيار، فلماذا يأتي إلى لبنان؟ هنا تبدأ «المؤامرة»، في سوريا ليست هناك عوامل جاذبة لبقائه في وطنه: لا طبابة، لا تعليم، لا مساعدات نقدية وعينية، لكن كل ذلك متوافرٌ للنازح في لبنان: طبابة، تعليم، مساعدات نقدية وعينية، فلماذا يبقى في سوريا؟ ولماذا لا يأتي إلى لبنان؟ المشكلة هنا وليست في مكان آخر، المجتمع الدولي يريد ذلك، مستفيداً من عجز السلطة، ومن تواطؤ بعضها، وهذا ما تبيِّنه التباينات والسجالات بين الوزراء المعنيين، من وزير الشؤون الاجتماعية، إلى وزير شؤون المهجرين، فهذا «النقار» بين هذين الوزيرين هو عيِّنة تختزل العجز والتواطؤ.

 

هذا في التشخيص، ماذا عن المعالجات؟

 

الموضوع ليس تقنياً فقط، فبصرف النظر عن طول الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا، والتي تقارب الـ380 كيلومتراً، وفي ظل عدم توافر العديد من الجيش اللبناني لتغطية هذه الكيلومترات، فإنّ الحل في أن يكون هناك قرار بمنع تهريب البشر، وهذا القرار يجب أن يكون متخذاً من جانب النظام السوري، ومن جانب «حزب الله» المسيطِر بشكلٍ أو بآخر على جانبَي الحدود. حين قدّم «حزب الله» روايته عن المنتحر في حي السلّم، عرض فيديوات تُظهِر المنتحِر في سوريا وتحديداً في منطقة السيدة زينب. مَن يملك هذه القدرة على تعقُّب شخص بدءاً من سوريا وصولاً إلى حي السلم في الضاحية الجنوبية، بإمكانه أن يتعقّب الذين يريدون أن ينزحوا، خصوصاً أنّ «الناقلين» هم في معظمهم من البيئة ذاتها. يُفترَض بلبنان أن يرفع القضية إلى الجامعة العربية وإلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في دورتها لهذه السنة والتي تبدأ بعد أيام، أما أن يبقى الملف غارقاً في تفاصيل «التعداد اليومي»، فإن من شأن ذلك ان يحوِّل لبنان إلى «المحافظة الغربية لسوريا، التي يقطنها لبنانيون».

 

الصورة ليست كاريكاتورية، فالسباق على أشدّه بين لبنانيين يغادرون جواً، وسوريين يصلون براً.