لا يصدّق أحدٌ، ليس في هذا الوطن المنكوب وحسب إنما في الزوايا الأربع قاطبةً من المعمورة، أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (ما شاء الله على هذا السموّ) لا تزال ترفض تزويد المسؤولين اللبنانيين «داتا» (بنك) المعلومات ذات الصلة بالنازحين السوريين الذين يتحوّل تواجدهم في هذا البلد المغلوب على أمره، الى نوع من الاحتلال الموصوف، سواء أرادوا ذلك أم لم يريدوه. ومن يتحفظ عن هذا الكلام فليراجع ما ورد في «شروق وغروب» يوم السبت الماضي، إذ نشرنا معلومات مذهلة عن انتشار النازحين في مدينة زغرتا وقضائها (الزاوية) على سبيل المثال، ليتبين لكلّ ذي بصيرة أن يكتشف أن نحواً من خمسين بلدة وقرية ودسكرة محاصرة عملياً، وبحكم الأمر الواقع، من الجهات الأربع، ومن دون استثناء.
الموجع في هذه المعضلة الكبرى أن المسؤولين اللبنانيين لا يزالون يستعطفون سموّ المفوضية أن تتكرّم عليهم وتتنازل من ذرى سموّ عليائها لتضع بين أيديهم بياناً بأعداد النازحين وأسمائهم وخرائط انتشارهم والزيادات التي تُضاف إليهم يومياً، إن بموجب الولادات ذات الأعداد المضاعفة أو بالوافدين الجدد بالآلاف مَن كان منهم مسلحاً أو أعزلَ، ومَن هو إرهابي (كما أخبرتنا الدوائر المعنية في الجيش اللبناني) أو ليس إرهابياً.
إن طريق وأسلوب تعاطي المفوضية صاحبة السموّ الرفيع(؟!.) مع حكومة تصريف الأعمال يدعوان الى الاستغراب الشديد والقلق الأكثر شدّةً، قدر ما يثيران الشفقة والحزن على هذا الوطن المنكوب بسياسييه وحكّامه، ما يطرح السؤال على هؤلاء الأشاوس (ونريد أن نستثني منهم وزير شؤون المهجّرين الذي لم يتوانَ يوماً عن رفع الصوت والتحذير …):
هل حكومة رجب الطيب أردوغان تملك الداتا عن النازحين الى تركيا وهل تجرؤ المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن تتعامل معها كما تتعامل مع حكومتنا الغائبة عن الوعي؟ أو أن حكومة عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني تقبل أن يكون التعامل معها كما هو مع حكومتنا الناشطة في زيادة الضرائب والرسوم؟ وهل إن المساعدات المالية الأممية للمدارس في لبنان، مقابل فتحها أمام اجتياح التلامذة النازحين، توازي ما يُقدّم الى الأردن؟ وهل تتعامل حكومتنا مع القرار/ المؤامرة الأميريكو – أوروبي كما يتعامل معها أردوغان؟ وبما أن الجواب معلوم ولا يحمل لبساً أو غموضاً أو إبهاماً، فهلّا تفضلتم وأجبتمونا عن هذا السؤال الأخير: من أين لكم عقدة النقص هذه والمفتَرَض أنكم تستندون الى إجماع شعبي حول هذه الأزمة التي تتفاقم بفضل تقاعسكم وجبنكم ومصالحكم الذاتية ؟!.