ربما لا يزال في وسع رئيس الجمهورية أن يكسر حلقة الفشل التي أحكمَها على عهده، لا ليحقق نجاحاً بات سراباً، بل لئلا يقال انه “الرجل المدمِّر” الذي خلَّف وراءه شعب أنقاض، ولم يختم ولايته بإنجاز يتيم.
انها ورقة النازحين. يمكن لهذا العهد وحكومة الأمر الواقع ان يحوّلاها إنجازاً، مثلما يستطيعان دفن الرؤوس في الرمال ملقيَين مسؤولية عدم التقدم فيها على مجهول تيمناً بنظرية “ما خلّونا” التي غطَّت التقصير والهدر المريع.
نصدّق وزير المهجرين ونشاركه غضبه من رفض مجلس الوزراء مناقشة قضية النازحين. فالرجل الزائر دمشق ممثلاً فوق العادة لـ”المير” والحلفاء الممانعين، والعائد منها بآمال عراض تشرح رحابة النظام السوري وطيب استعداداته لإعادة احتضان مواطنيه، يستحق أن يُمنح فرصة السير قُدماً، لا لإثبات قدرته على تحقيق اختراق في موضوع خطير ومهم لكل اللبنانيين فحسب، بل مجدداً لكشف نوايا دمشق من باب “إلحق الكذَّاب الى باب الدار”.
يعرف العالم كله سبب تهجير نصف الشعب السوري ونزوح مليون ونصف مليون منه الى لبنان. وليست جملة “نَضِفنا من المعارضين” التي نقلها سليمان فرنجية ببراءة عن صديقه الأسد (الأسد وصفهم رسمياً بالجراثيم) سوى تعبير صادق عن ظروف خروج السوريين من ديارهم الى بلاد الله التي ضاقت في وجههم، بدليل ان جلَّهم حُشر في مخيمات مزرية في إدلب أو جرود لبنان، وقليلهم نجا باتجاه ألمانيا ودول تحترم حقوق الانسان.
يدرك القاصي والداني أن موضوع النازحين تحوّل قضية أممية يتجاذب فيها الغرب مع دمشق وحلفائها على حساب المشردين. فلا مساعدات وإعادة إعمار بلا حل سياسي يرضي الغربيين وقرارات الأمم المتحدة ويعيد كرامة الشعب السوري، ولا نية وقدرة للأسد وحليفيه الروسي والايراني على تحمل هذه المهمة، خصوصاً أن موسكو لم يُعرف عنها سخاء لإعمار ما هدمته في أي بقعة امتدت لها يد بوتين، وأن طهران مشغولة دوماً ببسط النفوذ وتعزيز الميليشيات الرديفة ورفع مستوى الكرامة، وآخر همّها “لم الشمل” وكهرباء وماء وفرص عمل وتعليم.
راح ملف النازحين وأتى مرات ومرات. ولا يغيب عن العهد وحلفائه وخصوصاً “حزب الله” الضغط الهائل الذي يتعرض له لبنان بنيةً تحتية وكلفة وأمناً وديموغرافيا نتيجة حجم اللجوء والانهيار الاقتصادي. ألقيت المسؤولية إبان الحكومات التوافقية على قوى 14 آذار وحسابات المجتمع الدولي، فيما كان المطلوب من أصدقاء النظام السوري استغلال موقعهم لدى دمشق لإعلاء مصلحة لبنان وشعبه وإعادة النازحين بأي صيغة معقولة ومتاحة. وهو تلكؤ واستهتار لم يتغيرا بتفرّد العهد وأكثرية الممانعة بالسلطة. بقي الرياء هو الأساس لأن التابع المحلي أعجز من المطالبة الصريحة بحقوق مواطنيه وأشقاء مشردين.
هي الفرصة الأخيرة للرئيس عون بالتحديد، فالرهان على حليفه الأقرب الى دمشق غير مفيد كون “مشروع المقاومة” مستقل عن الشأن الوطني الداخلي ويتعاطى بالاستراتيجيات آنفاً من الهم الكياني والمعيشي. القصة ليست في قرار يتخذه مجلس الوزراء. والرئيس يعلم قبل الجميع أن لا فائدة من شعار “تفعيل ملف النازحين”، فأوراق وزير المهجرين وبنود “العودة” هي بالنسبة الى هذه السلطة وسيلة للضحك على الأجانب والمبتدئين.
بعض الجرأة كفيل بتفكيك ملفِِ – لغم يجثم على صدور كل المواطنين. والمبادرة “فرض عين” ولو بالهزيع الأخير.