من الموضوعات الأساسية المطروحة على بساط البحث في الوضعية اللبنانية الحالية: مصير المهجرين السوريين في لبنان وطريقة معالجة هذا الموضوع الخطير والمصيري في حياة لبنان واللبنانيين. وفي متابعة لكلام ومبادرات بعض المسؤولين اللبنانيين حول هذا الموضوع وطريقة معالجته، يتبيّن مدى البؤس بل الفراغ الفكري في مقاربة موضوع يمثل هذه الأهميّة الاستراتيجية الحياتية. ولعل ما يثير العجب هو تعجّب هؤلاء المسؤولين (غير المسؤولين) من إحجام القوى الدولية المموّلة لهذا الوجود في لبنان، عن نقل هذا الدعم مع المهجّرين إلى سوريا لأن بقاءه في لبنان يغري السوريين بالبقاء في لبنان وعدم العودة إلى سوريا، في حين أنّ نقله إلى سوريا سيغري المهجّرين بالعودة إلى سوريا. هذا هو باختصار منطق اللامنطق الذي يحكمون به على الوجود السوري في لبنان. إنّه دليل افلاس فكري- سياسي – استراتيجي! لماذا؟
أولاً: الهموم اللبنانية – السورية المشتركة:
إنّ الهمّ لدى الانسان، ولدى الدولة، هو ما يشغل البال ويقلق، وبالتالي ينبغي اعطاؤه اهتماماً خاصاً لأنّه مرتبط بمشاعرنا ومصالحنا وحياتنا. وهكذا فإنّ الهمّ يولّد الاهتمام الذي يرسم أهداف الدولة وتوجهاتها وانطلاقاً من مرجع أساسي لذلك هو جغرافيا الدولة: موقعها وشكلها وحدودها وعاصمتها وسكانها وثرواتها وتاريخها وجيرانها وقدراتها الاقتصادية والثقافية والعسكرية، وانطلاقاً من القاعدة التي تربط بين سياسة الدول وجغرافيتها يمكن استخلاص العناوين العامة للهموم اللبنانية- السورية كما يلي:
1- همّ العاصمة دمشق التي لا تبعد عن حدود لبنان سوى 20 كيلومتراً وهو ما يجعل العاصمة السورية وبالتالي الدولة السورية أكثر عطوبيّة من الناحية الاستراتيجية خاصة وأنّ عاصمة الدولة، كل دولة، هي النقطة الأكثر أهمية في رسم الخطوط الدفاعية للدولة.
2- همّ الواجهة البحرية إذ أنّ الشاطئ السوري على المتوسط لا يتجاوز 190 كيلومتراً في حين أنّ مجمل الحدود السورية يبلغ 2235 كيلومتراً وهو ما يجعل سوريا دولة برية وليست بحريّة.
3- همّ محدوديّة المصادر المائية ذلك أنّ طبيعة أرضها هي في الاجمال صحراوية وقاحلة والمعدل العام للمطر فيها هو 280 ملم في السنة. (في حين أنّ هذا المعدل هو في لبنان 1000 ملم في السنة).
4- والهمّ الأكبر الذي يعنينا في هذه الدراسة هو الهمّ الديمغرافي ذلك أنّ الزيادة الديمغرافية في سوريا هي من أعلى النسب في العالم. فهي تصل حسب المراجع الغربية إلى 34 بالمئة.
هذا يعني أنّ نسبة الزيادة هي 37 بالألف في حين أنّ المعدل العالمي لهذه الزيادة هو 17 بالألف ما يعني وفق هذه النسبة أنّ عدد سكان سوريا البالغ نحو 20 مليون نسمة سيتضاعف كل عشرين سنة وهو أمر نادر في دول العالم ويؤدي إلى هموم اقتصادية واجتماعية كالبطالة والأمن ما يشجّع على الصراعات والنزوح إلى الدول المجاورة (وفي مقدمها لبنان) ومن ثم إلى دول العالم.
5- من جهة لبنان، فإنّ أول همّ يواجهه بلد الأرز هو همّ الوجود الحر. ذلك أنّ أول ما يشغل اللبنانيين هو الحرية في كل صورها وتجلياتها. فهي مركوزة في وعي ولاوعي اللبنانيين لأسباب دينية – لاهوتية – فلسفية بهدف حماية الهوية وتأمين حصانة الجبل والاستجابة الدائمة لنداء البحر وهي مستلزمات تعبّر عنها الحياة الديمقراطية التي حرص اللبنانيون على التمتّع بها عبر تاريخهم.
6- همّ الكيانية وتجسيدها العملي في العلاقة بين لبنان وسوريا. ذلك أنّ المسؤولين السوريين وبعض الجهات اللبنانية يرون أنّ لبنان كان وينبغي أن يبقى جزءاً من سوريا. وقيامه ككيان مستقل هو خطأ جغرافي وتاريخي. في حين أنّ دعاة الكيانية والاستقلالية في لبنان وهم كثر يعتقدون أنّ لبنان انطلاقاً من خصوصيته في مختلف نواحي الحياة والوجود هو حقيقة جغرافية وتاريخية وليس خطأً تاريخياً وجغرافياً. وجاءت القرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن ولا سيما القرار 1559 لتؤكد الاعتراف بلبنان الكيان السيد الحر المستقل، لبنان النهائي باجماع الشرعية الدولية، وأسقط مقولة وحدة المسار والمصير مؤكداً ثنائية المسار والمصير.
ثانياً: أهميّة وخطورة العامل الديمغرافي بين البلدين:
إنّ الأحداث التي وقعت في سوريا في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أدّت إلى تهجير ملايين السوريين من بلدهم إلى البلدان المجاورة ومنها لبنان وتركيا والأردن، كما إلى الدول الأوروبية. إنّ عدد المهجّرين السوريين إلى لبنان ليس ثابتاً ولكنّ الدارسين لهذا الموضوع يجعلون عدد المهاجرين إلى لبنان في حدود المليون ونصف المليون. وهو إلى تصاعد مستمر بسبب ضيق الحياة والعيش في سوريا. والأهم من ذلك بسبب استراتيجية سريّة موضوعة على يد قوى اقليمية ودولية لتهجير أكبر عدد من السوريين وتحديداً من العرب السنّة في سوريا وذلك ضمن هدفين استراتيجيين:
الأول: اتاحة المجال لقيام وبقاء تجربة الدول الأقلوية في منطقة الشرق الأدنى وفي مقدّمها التجرية الاقلوية في سوريا. ومثل هذه التجربة تشكل نموذجاً تحتذي به دولة اسرائيل وتصبح بموجبه جسماً دولاتياً طبيعياً في المنطقة وليس جسماً غريباً عنها كما هي الآن.
الثاني: إبعاد الخطر الديمغرافي العربي – السني – السوري عن عنق اسرائيل. فعدد سكان سوريا بحسب Atlaseco للعام 2013 هو عشرين مليون نسمة. وسيصبح في العام 2033 أربعين مليون نسمة. وهذا الحشد البشري في مساحة ضيقة سيشكل تهديداً فعلياً للدولة العبرية وهو ما يقول به بعض المفكرين الاسرائيليين. ذلك أنّ القاعدة الجديدة التي تحكم مسار المجتمعات البشرية هي القائلة: «إن الديمغرافيا هي التي تصنع التاريخ».
أمام هذه الحقائق العلمية يجب أن يقف المسؤولون اللبنانيون ليدركوا لماذا دول الغرب ترفض أن تعيد السوريين من لبنان إلى سوريا. فالغربيون يعرفون أسباب طردهم ولهذا يمتنعون عن العمل على اعادتهم إلى بلادهم! ولطالما وقفت الأنظمة الغربية إلى جانب مصالح إسرائيل وليس إلى جانب مصالح لبنان!