يقول أحد النواب إنّه وعدداً من زملائه فوجئوا بما ذكره نواب أوروبيون خلال لقاءات بين الجانبين، عن أنّ المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لديها مكتب في سوريا، حيث تقدّم المساعدات للنازحين في الداخل السوري. في المقابل كانت المفوّضية تذكر في مناسبات عدة أنّها تساعد السوريين في بلادهم، وتؤكد أنّها لا تدعو إلى توطين أو دمج اللاجئين (النازحين) السوريين في المجتمع اللبناني، فضلاً عن مساعدتها المجتمع المضيف والفئات اللبنانية الضعيفة أسوةً باللاجئين، وعملها على «إعادة توطين اللاجئين في بلدان ثالثة»، ما يخفّف عن لبنان أعباء النزوح.
لكن مهما حاولت المفوّضية إثبات «حسن نيتها» في مساعدة اللاجئين انطلاقاً من دوافع إنسانية وحقوقية، بات هناك اقتناع لدى غالبية المسؤولين والقوى السياسية وجزء كبير من اللبنانيين بأنّ هناك رغبة دولية في إبقاء النازحين السوريين في لبنان وعدم عودتهم إلى بلادهم، وذلك عبر وسائل عدة أبرزها المساعدات التي تقدّمها الأمم المتحدة وتحديداً الـUNHCR إلى هؤلاء النازحين. ونظراً إلى الأعباء الكبيرة التي يرخيها ثقل هذا النزوح على كاهل لبنان، أمنياً واقتصادياً ومالياً وديموغرافياً… باتت هناك لدى اللبنانيين «حساسية» تجاه هذا الملف، وباتت عودة النازحين إلى ديارهم مطلباً لبنانياً جامعاً.
لكن لا تزال عودة النازحين السوريين النهائية الشاملة إلى بلادهم بعيدة المدى، ربطاً بالحلّ السياسي الشامل في سوريا. وفي انتظار تحقيق هذه العودة، يعوّل لبنان على «العودة الجزئية» من خلال أبواب عدة، ومنها العودة الفردية، عمليات العودة الطوعية التي تنظّمها المديرية العامة للأمن العام، عملية ضبط الحدود ومنع تسلّل السوريين إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية، ترحيل المخالفين على الأراضي اللبنانية، و»إعادة التوطين في بلدان ثالثة» عبر مفوّضية اللاجئين. لكن لا يبدو أنّ أياً من هذه «النوافذ» تسمح بإخراج أعداد كبيرة من النازحين من هذا البلد.
بالنسبة إلى إعادة التوطين في بلدان ثالثة (resettlement to third countries)، فتُعتمد نظراً إلى أنّ هناك عدداً من اللاجئين حول العالم لا يمكنهم العودة إلى ديارهم بسبب استمرار النزاع والحروب والاضطهاد، وفي الوقت نفسه يعيشون في أوضاع محفوفة بالمخاطر أو لديهم احتياجات خاصة لا يُمكن تلبيتها في البلد الذي طلبوا فيه الحماية. وفي مثل هذه الظروف، تساعد المفوّضية في إعادة توطين اللاجئين في بلدٍ ثالث. وتعني «إعادة التوطين»، نقل اللاجئين من بلد اللجوء (مثل لبنان) إلى دولة أخرى (مثل بلجيكا على سبيل المثال) وافقت على قبولهم ومنحهم الإقامة الدائمة. وجرى تكليف المفوّضية بموجب نظامها الأساسي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بإجراء إعادة التوطين في بلدان ثالثة كحلّ دائم مهم وأحد الأهداف الرئيسية لـ»الميثاق العالمي من أجل اللاجئين» (GCR).
بالنسبة إلى المفوّضية، تسمح إعادة التوطين بتقاسم المسؤولية وإظهار التضامن مع البلدان المضيفة مثل لبنان، ما يدعم أعداداً كبيرة من اللاجئين. لكنّ هذا يعتمد على الحصة أو «الكوتا» التي تحدّدها بلدان إعادة التوطين. وتقول مصادر المفوّضية لـ»نداء الوطن»: «على الرغم من أنّ إعادة التوطين في بلدان ثالثة تُعدّ حلاً مهماً، إلّا أنّه يظلّ حلاً محدوداً للاجئين الأكثر ضعفاً ويعتمد على العروض التي تتلقّاها المفوّضية من بلدان إعادة التوطين».
بالنسبة إلى الآلية، تقرّر بلدان إعادة التوطين سنوياً، عدد أماكن إعادة التوطين التي ستوفّرها لملايين اللاجئين في جميع أنحاء العالم. وإذ تدعو المفوّضية إلى توفير فرص لإعادة التوطين، يبقى القرار لحكومات بلدان إعادة التوطين. وبما أنّ أماكن إعادة التوطين محدودة للغاية، يجب على المفوّضية إعطاء الأولوية لحالات اللاجئين الذين لديهم احتياجات الحماية الأكثر إلحاحاً ونقاط الضعف.
على مستوى لبنان، منذ عام 2011 وحتى نهاية عام 2023، جرت إعادة توطين نحو 100 ألف نازح من لبنان إلى بلدانٍ ثالثة. وفي عام 2023 فقط، غادر لبنان 8985 نازحاً إلى بلدانٍ مختلفة، بحيث كانت هناك زيادة بنسبة 9.25 في المئة في حالات المغادرة لإعادة التوطين مقارنةً بعام 2022، وهو أعلى رقم يُسجّل منذ عام 2017. أمّا بداية عام 2024، وحتى الآن، فجرت إعادة توطين 984 نازحاً في بلدان ثالثة. ويتوزّع النازحون المُعاد توطينهم على بلدان مختلفة، لا سيما منها الأوروبية: الأرجنتين، أستراليا، بلجيكا، كندا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، إيرلندا، إيطاليا، هولندا، نيوزيلندا، النرويج، رومانيا، إسبانيا، السويد، سويسرا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.