بعد خطف وقتل باسكال سليمان رحمه الله، تحدث الحكام والمسؤولون وقادة الرأي عن معضلة النازحين السوريين وخطر وجودهم الكثيف في لبنان، وتباروا في إظهار محبة الوطن وسيادة الدولة فبلغت سقوفهم السماء السابعة ورياح الأرض الأربع.
حيث أننا واكبنا هذا الموضوع – علميا وبحثيا – منذ العام 2011 نرى أن «فكر بناء الدولة» يفرض علينا الحديث في مقاربتين علميتين حول هذا الموضوع.
المقاربة الأولى: ان ما حدث خلال شهر آذار 2023 في بلداتٍ لبنانية من تجاوزات مريعة ارتكبها نازحون سوريون دفعني إلى كشف وقائع موجزة على «تويتر» وهي: (عندما بلغ عدد النازحين السوريين ٥٥ ألف نازح نهاية العام 2011 طرحتُ كعضوٍ في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في رئاسة الجمهورية موجزاً بحثياً يؤكّد خطورة الوضع مستقبلاً ووصّفتُ الواقع في حينه حرفيا كالتالي: «سيكون هذا النزوح على لبنان بمثابة قنابل موقوتة سياسية واجتماعية وديمغرافية واقتصادية وأمنية»، وتمّ في حينه إعلام مجلس الوزراء وبعض كبار المسؤولين المعنيين بخلاصة هذا الموجز البحثي وخطورة الوضع، لكنهم للأسف لم يواجِهوا المشكلة جديّة علمية بل عمد البعض الى المتاجرة بها، وهم اليوم يستخدمون عبارتنا «قنابل موقوتة سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية» في مزايداتٍ مصلحية ضيّقة بل رخيصة، ومن بينهم «متنطّحون سياديون» إقتبسوا «فكر الدولة» وتاجروا به موقفا سياسيا ظاهريا)… نترك الاستنتاج للقارئ: من يتحمّل المسؤولية؟
المقاربة الثانية: أرسلنا بتاريخ 25 تموز 2016 رسالة إلكترونية الى وزير الداخلية في حينه نهاد المشنوق تحت عنوان (برنامج حديث لتأليل وضبط وجود النازحين والمقيمين غير اللبنانيين على الأراضي اللبنانية)، وطلبنا تحديد موعد (لعرض حيثيات تطبيق أحدث برنامج بدأ تطبيقه في بعض البلدان الأوروبية وشرح نجاعة تطبيقه في لبنان).
وأرسلنا في التاريخ ذاته رسالة مماثلة الى وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس.
تأكدنا من استلام الوزيرين الرسالتين، وحيث أنه لم يردنا أي جواب: أرسلنا رسالة إلكترونية ثانية الى وزير الداخلية بتاريخ 18 نيسان 2017 تحت عنوان (ملخص تنفيذي عن عمل نظام معلوماتي) أوضحنا فيه أنه (إلحاقا للبريد الإلكتروني المرسل بتاريخ 25 تموز 2016 للتفضل باستلام الملف الإلكتروني المرفق والمتعلق بملخص تنفيذي عن عمل النظام المعلوماتي وبرنامج التأليل الحديث لضبط وجود النازحين وكل المقيمين غير اللبنانيين على الأراضي اللبنانية)، وطلبنا تحديد موعد كي يقابل مؤسس هذا البرنامج الوزير ويعرض حيثيات تطبيقه من أجل المصلحة الوطنية اللبنانية.
تأكدنا من استلام الوزير الرسالة التي أرفقنا بها ملفا إلكترونيا تضمن الملخص التنفيذي التالي حول هذا النظام:
أولا – استشراف حكومي للأزمات ووضع الحلول:
هو أحدث نظام معلوماتي يؤمّن رؤية استشرافية للتنبؤ بالأزمات مما يمكّن من الانتقال من عالم مبني على إدارة جامدة الى عالم مبني على إدارة معلوماتية… إذ يعيش العالم اليوم في أزمات ديمغرافية واقتصادية وأمنية مما يدعو المسؤولين الى البحث عن وسائل تقنية جديدة للتداول مع عالم المعلومات بهدف تحقيق الأمن لشعوبهم.
ان مؤسس هذا النظام المعلوماتي ومقره سويسرا، قام بابتكاره الفريد من نوعه بشهادة مراكز الأبحاث ومحللي القطاعات الحكومية، والذي يدرس حاليا في عدة جامعات سويسرية.
يساعد هذا النظام على معالجة القوانين والبيانات والمعلومات للتحكم بتأثيرها على الدول والمؤسسات (الوزارات) لتمكينها من التنبؤ الدقيق لحدوث الأزمات واتخاذ الإجراءات الوقائية.
كما وتقوم حاليا حكومات ومؤسسات أوروبية باستخدام هذا النظام للحوكمة الاستشرافية بهدف ضبط الوجود الأجنبي (مثل جمهوريات جنيف، فريبورغ، فالي في سويسرا، وبلدان أوروبية أخرى). ان مؤسس هذا النظام على استعداد للحضور الى لبنان لمقابلة الوزير وشرح التفاصيل التنفيذية لجهة تطبيقه على غير اللبنانيين المقيمين والنازحين.
ثانيا – يستند هذا النظام الى منهجية عمل مكونة من ثلاثة عناصر رئيسية:
• التوحيد والربط:
توحيد أذرع المؤسسة (الوزارة والبلديات) من خلال القوانين الداخلية والخارجية.
• التقدير والاستشراف.
التقدير الدقيق وخلق نافذة تمكن المسؤول (الوزير والمحافظون ورؤساء البلديات) من ضبط المعلومات وتأثيراتها واستشراف الحلول.
• التنظيم والتنفيذ.
تمكين صاحب القرار (الوزير والمحافظون ورؤساء البلديات) من التنظيم الداخلي وتنفيذ واجباتهم.
ثالثا – مرحلة انتقالية (مهمة جدا) الى العصر المعلوماتي والثورة التكنولوجية:
من أجل بناء الإدارة الحديثة لا يمكننا الاعتماد على المفاهيم القديمة، وبالتالي يقتضي الانتقال الى المفاهيم الحديثة للعصر المعلوماتي وتطبيقها في المؤسسات الحكومية المعنية – أي وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الاجتماعية – أو الأهلية والمنظمات الدولية (عبر تكوين «الداتا الهادفة»).
رابعا – ان هذا النظام المعلوماتي هو لصالح وزارة الداخلية بهدف حوكمة البيانات والتنبؤ بالمخاطر عبر أتمتة التخطيط وتجنّب الوقوع بالأزمات (اجتماعية، أمنية، ديمغرافية، اقتصادية، إدارية.. الخ) ووضع الحلول لها بطرق علمية استباقية، وخصوصا حلول الأزمات المتعلقة بالأشخاص غير اللبنانيين المقيمين على أرض لبنان والعدد الهائل من النازحين.
ان هذا النموذج المعلوماتي الأحدث يمكّن متخذ القرار – أي الوزير – من تحقيق أقصى قدر من الضبط بما يخدم الرؤية التي تضعها الوزارة (انتهى نص الملخص التنفيذي).
ماذا نرى اليوم بالمقابل؟ تفيدنا البحوث بخلاصتين صادمتين وحقيقتين مخيفتين: مليونا سوري في لبنان لا تعرف الدولة عنهم شيئا! الداتا المتوفرة لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي عبارة عن أسماء النازحين فقط!
فلو تم تطبيق هذا النظام المعلوماتي في العام 2017 لكان من السهل جدا اليوم تنفيذ اية خطة إنقاذية والحؤول دون تراكم الصعوبات الهائلة التي تعترضنا اليوم.
وبعد العام 2017 لم يعد للكلام معنى وللاستشراف مبنى! ونأمل أن تكون لصحوة «ما بعد باسكال سليمان» من فائدة!
… نترك الاستنتاج للقارئ: من يتحمّل المسؤولية؟
* رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والإعلام.
أستاذ جامعي.
عميد ركن سابق