جديد الاندفاع اللبناني من أجل إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، حسب قول المسؤولين المعنيين هو حصول إجماع على الخطوة يتيح التعامل مع المجتمع الدولي ومع السلطات السورية بموقف لبناني واحد هذه المرة.
في السابق توزعت مواقف الفرقاء سواء كانوا مشاركين في السلطة أم خارجها، على توجهات متناقضة، ما أقحم هذا الملف الحساس في دهاليز الخلافات السياسية الداخلية، فأخذ أحياناً طابعاً عنصرياً، وأخرى اتسم بالمزايدة الشعبوية… فغرق في تشعبات وحبال الأزمة السياسية الداخلية والتي تشمل الموقف من النظام السوري.
أصلاً فرضت الخلافات الداخلية حول الموقف من دمشق فوضى وعشوائية في طريقة التعاطي مع النزوح السوري إلى لبنان منذ بدئه أواخر 2011، فحالت دون تنظيم وجودهم كما حصل في الأردن. بلغت الفوضى والعشوائية والنكايات المحلية حد وقف تسجيل أعدادهم وأماكنهم، فوقعت الدولة في مشكلة «الداتا» مع مفوضية شؤون اللاجئين، غير المكتملة بدورها. في الآونة الأخيرة ثمة عودة إلى تجميع «الداتا» في بعض المناطق، على غرار ما قامت به «القوات اللبنانية» في منطقة بشري ومحيطها وما تنجزه البلديات، لكنه يبقى مفتقداً إلى الشمولية، فيما اقترحت مبادرة «الحزب التقدمي الاشتراكي» الإحصاء الشامل للسوريين في البلد…
على رغم بعض خطوات العودة المتواضعة التي نظمتها المديرية العامة للأمن العام، وبصرف النظر عن وقائع الخلافات اللبنانية التي أعاقت التعاطي بجدية مع الملف، فإنّ الأمر علِقَ في السنوات القليلة الماضية أمام معضلتين جوهريتين:
– عدم حماس النظام السوري لإعادتهم بحجج عدة أهمها الأسباب المالية الاقتصادية لإيواء معظمهم لأن منازلهم مهدمة، في وقت تمر دمشق بأسوأ أزمة اقتصادية، أو لأن النظام صادر أملاك الكثير منهم لا سيما من أيدوا المعارضة السورية. وعلى رغم إبلاغ المسؤولين السوريين استعدادهم لاستقبال النازحين وقولهم إنه لا يمكن إلا أن يفرحوا لعودتهم، فإنّ الموقف الضمني كان، وفق المسؤولين اللبنانيين المتحمسين للتخفيف من عبئهم، الربط بين الحصول على أموال ومساعدات للإيواء ولإعادة الإعمار، وبين إعادتهم. فبعض الوزراء اللبنانيين الذين زاروا دمشق لهذا الغرض، وبناء لاشتراطها التباحث الرسمي معها بالأمر سمع كلاماً معسولاً حول الاستعداد لاستقبال النازحين. لكن سرعان ما كانت القيادة السورية، كعادتها، تبلغ غيرهم بصعوبة الإقدام على الخطوة. في الأيام الماضية بقي السؤال مطروحاً حول حقيقة موقف النظام، عند من يعملون بجدية على الملف.
– عدم حماس الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية لنقلهم إلى سوريا طالما لا ضمانات لأمنهم، وما دام ليس هناك حلاً سياسياً للأزمة نتيجة امتناع النظام عن تطبيق بنود في القرار الدولي الرقم 2254 تتعلق بالإصلاحات السياسية. ولوم النظام على عدم استجابته للحلول السياسية لتسهيل العودة، اشتركت فيه روسيا مع خصومها الغربيين. وأدى الرفض الغربي لإعادتهم إلى تدهور علاقة دول غربية مع بعض الفرقاء اللبنانيين من المصنفين حلفاء للممانعة والمصرين على إعادتهم، مثل الرئيس السابق العماد ميشال عون وتياره السياسي، لا سيما أنّ تمويل العودة يخضع في بعض متطلباته، في مناطق سيطرة النظام لعقوبات قانون قيصر على من يتعامل مع بشار الأسد.
من العوامل التي تعطي زخماً للموجة الجديدة الناشئة، تطورات الوضع الأمني وتكاثر السوريين في السجون، وانخراط مجموعات في عصابات سرقة وتهريب وارتكاب جرائم، بعضها محمي في لبنان وفي سوريا. آخرها قتل المسؤول في حزب «القوات اللبنانية» باسكال سليمان، الذي لم تنتهِ فصول التحقيق بمقتله بعد. فالجريمة أخذت بعداً سياسياً فور وقوعها، فيما ينتظر حزبه جلاء الوقائع ليحسم إذا هناك خلفيات سياسية لها، لا السرقة.
العامل الثاني «انتفاضة» قبرص بدعوة الاتحاد الأوروبي إلى مقاربة مختلفة بعدما اضطرها تدفق النازحين غير الشرعيين الذين ينطلقون من شواطئ لبنان إلى إلغاء أي إقامة أو إجازة عمل لهؤلاء، والتي أنتجت زيارة الرئيس القبرصي ورئيسة الاتحاد أورسولا فون ديرلاين بيروت أمس لبحث هذه الأزمة. فضلاً عن المساعدة الأوروبية بقيمة المليار دولار على 3 سنوات…
العامل الثالث موقف «حزب الله». في السابق كان «الحزب» معها من باب مسايرة حليفه «التيار الوطني الحر»، وللتخفيف من عبء تواجدهم في مناطقه. أما اليوم فإنه أكثر حماساً لشعوره بأنّ بقاء هذا الانفلاش الكمي لوجودهم يحولهم، بفعل حالة العوز، إلى أرض خصبة للاستمالة من قبل أجهزة مخابرات، منها إسرائيل لتجنيدهم ضد المقاومة، كما حصل في استهداف إسرائيل لأحد مسؤولي «حماس» في إقليم الخروب قبل أسابيع. لكن مقياس تعاطي «الحزب» بجدية مع الاندفاعة الجديدة هو مدى استعداده للتجاوب مع ضبط الحدود البرية مع سوريا، التي أدت حاجته لإبقائها مفتوحة، إلى عودة من يتم ترحيلهم، والوافدين الجدد بهدف الهجرة غير الشرعية… فبعض الأوساط يتساءل عما إذا كان «الحزب» يبدي حماساً للموجة الجديدة بهدف «التمريك» على النظام السوري بسبب الخلافات الجديدة معه بعد حرب غزة.