IMLebanon

من نازحين إلى لاجئين موقّتين… فمواطنين دائمين

 

 

عاد إلى الواجهة اقتراح قانون لـ»تنظيم إقامة السوريّين في لبنان وترحيلهم» كانت قد أقرّته لجنة الإدارة والعدل النيابية في آخر كانون الثاني الماضي، وتقدّم به النواب الأربعة جميل السيّد وميشال ضاهر والياس جرادة وسجيع عطية، تزامناً مع المنحة الأوروبية لإبقاء مَن يُعَدون «لاجئين سوريّين» بحسب قوائمها، مقابل مليار يورو تُقسّم إلى 250 مليوناً في السنة، ومن دون التطرّق إلى واقع القسم الآخر، أي النازحين الاقتصاديّين السوريّين.

كان لبنان قد تحوّل سياسياً من «بلد لجوء» مع «قانون الأجانب» الذي أقرّه المجلس النيابي المنتخب في منتصف عهد الرئيس السابق فؤاد شهاب، إلى بلد «لجوء مؤقّت» بحسب التعديلات الدستورية مطلع تسعينات القرن الماضي وبحسب مذكّرة التفاهم بين مديرية الأمن العام ومفوّضية اللاجئين الموقّعة مطلع الألفية.

وكانت المفوّضية قد اعترفت في هذه المذكّرة أنّ لبنان «غير مُهيّأ» لأن يكون بلد لجوء بل انّ موقعه هو تمهيد للعبور إلى بلد ثالث يتمّ التوطين فيه. بيد أنّ المحاولات التشريعية الأخيرة (تقدّم تكتّل لبنان القوي باقتراح قانون قبل اقتراح النواب الأربعة بحوالى عام وتمّت مناقشته من دون إقراره) لم ترقَ إلى مستوى تمهيد انتقال السوريّين من لبنان إلى بلدٍ ثالث بسبب معوقات داخلية وخارجية.

منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، رفض لبنان منح السوريّين صفة اللجوء السياسي قانوناً منعاً لتوطينهم، بل بَقوا كطالبي لجوء إلى أجلٍ غير مسمّى، وارتفعت أعدادهم ديموغرافياً بشكل هائل خلال عقدٍ من الزمن، خصوصاً أنّ ترهّل وتقاعس مؤسسات الدولة والبلديات حَوّل وجودهم إلى أزمة. وتفاقمت هذه الأزمة مع الانهيار الاقتصادي وعدم القدرة على ضبط الحدود، ومع غياب القدرة على ترحيل النازحين الاقتصاديّين الذين يُشكّلون القسم الأعظم من السوريّين المتواجدين في لبنان.

ثغرات اقتراح القانون
لا شكّ في أنّ النوايا المعلنة لغالبية الأحزاب والنواب الذين شاركوا في تعديل اقتراح قانون النواب الأربعة وصياغته، هي معالجة أزمة الوجود السوري في لبنان وترحيل مَن لا يُلائم صفة «اللاجئ المؤقت». بيد أنّ الاقتراح صدر عن لجنة الإدارة وهو يغالط تارةً بين مَن يطلب اللجوء ومَن بات لاجئاً، ممّا قد يفتح باباً كبيراً للمراوغة القانونية، خصوصاً مِن قِبل بعض الجمعيات الحقوقية ومفوّضية اللاجئين.

علاوةً على ذلك، لم يُشِر اقتراح القانون، على الرغم من مَنحه البلديات صلاحيات أوسع تجاه السوريّين المتواجدين بطريقة غير شرعية ضمن نطاقها من دون توفير الإمكانات المادية لها، إلى دور الأمن العام في إعادة تنظيم طبيعة الإقامات أو إلى دور أي مؤسسة مكلّفة بتوفير «البلد الثالث للتوطين». وبالتالي، يتهدّد هذا الاقتراح مصير البقاء حبراً على ورق أو البازار السياسي والتنفّع المالي أسوة بقوانين أخرى صدرت سابقاً.
كما لم يرعَ الاقتراح حلاً لمعالجة الطلبات السابقة لطالبي اللجوء، تاركاً فراغاً قانونياً لِما سيسبق إقراره إن أبصرَ النور في الهيئة العامة.

780 ألف طالب لجوء… لكنّ الباقين؟
تشير أرقام مفوّضية اللاجئين إلى أنّ 780 ألف سوري مسجّلين لديها، أي أنّهم تقدّموا عندها بطلبات لجوء إلى بلد ثالث عبوراً بلبنان، بحسب مذكّرة التفاهم بينها وبين الدولة اللبنانية. وهنا وجَبَ أن تُساءل عمّا فعلته لتنفيذ هذه المذكّرة واحترامها للدولة اللبنانية عبر محاولة تأمين البلد الثالث لانتقال هؤلاء إليه.

غير أنّ أرقام مديرية الأمن العام تؤكّد وجود ما يقارب مليونَي سوري على الأراضي اللبنانية، أي أنّ حوالى المليون و200 ألفاً هم نازحون اقتصاديّون، أي أنّهم لم يتقدّموا بأيّ طلبات لجوء. وبالتالي إنّهم لا يُعدّون معارضين سياسيّين للنظام الحاكم في سوريا.

وفي هذه النقطة، بعض القوة عند الدولة اللبنانية على المستوى السياسي، لأنّها قادرة على ترحيلهم أو تنظيم وجودهم بحسب قانون الأجانب، أي عبر إبقاء حاجتها منهم للسوق الاقتصادي، بما أنّهم يشكّلون غالبية مَن يعمل في قطاع الزراعة مثلاً.

وفي حال مرور «منحة المليار الأوروبية» بسلام عبر مجلس الوزراء، سيقع على عاتق المجلس النيابي إعادة اقتراح النواب الأربعة إلى نقطة الصفر، لعلّه ينقض المنحة وينظّم حلاً لوجود النازحين أقلّه للتخفيف من العبء الديموغرافي على البلد.