يُجري رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حوارات متفرقة مع الدول الغربية والأوروبية من أجل وقف دعم بقاء النازحين في لبنان. ويقع الكباش الأساسي مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي ترفض مساعدة النازحين السوريين على أرضهم، وتصرّ على بقائهم في لبنان. وعلى رغم الإيجابية التي يسعى ميقاتي إلى بثّها، يستمر التشاؤم، خصوصاً بعد «الرشوة الأوروبية» الأخيرة المتمثّلة بالمليار يورو.
لو كانت الدولة اللبنانية قوية ومتماسكة، لكان التعامل مع كارثة النزوح أسهل، لكنّ الإنهيار ساهم في تمدّد فوضى النزوح وسط غياب قرار حازم يضبط الفلتان ويمنع الفوضى. وتبحث الحكومة اللبنانية عن حلول في أروقة المجتمع الدولي، وفاتها أنّ هذا المجتمع هو مع إبقاء النازحين في لبنان، وبالتالي الحل هو في إصرار الدولة على تطبيق قوانينها ووقف الفوضى والإنفلاش. وراهن لبنان منذ تموز 2016 على نجاح لقاء هلسنكي الشهير الذي عُقد بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والذي أقرّ مبدأ العودة الطوعية للسوريين، لكن كل مقرّرات اللقاء ذهبت أدراج الرياح بسبب غياب تمويل العودة وإعادة الإعمار. وبعد انفجار أزمة النزوح السوري في لبنان والضغط الذي تمارسه قبرص لمنع الهجرة غير الشرعية عبر البحر، كانت الرشوة الأوروبية الأخيرة.
ومن جهة ثانية، يتمّ التداول في شأن دور روسي محتمل لحلّ أزمة النزوح. ويأتي هذا الحديث نظراً إلى حرص موسكو على تركيبة لبنان وسعيها إلى منع انفجار الوضع الأمني فيه، لأنّ هذا الأمر سيؤثّر على تواجد قواتها في سوريا، وأيضاً يأتي الرهان على الدور الروسي نظراً إلى قوة موسكو ونفوذها داخل سوريا وتأثيرها على النظام السوري هناك. وعلى رغم الآمال المعلّقة على الدور الروسي، إلّا أنّ المعلومات تكشف حقيقة الموقف الروسي من أزمة النزوح في لبنان والمنطقة. وتؤكّد موسكو أنه من دون حل سياسي شامل للأزمة السورية لا عودة شاملة للنازحين، وكل من يقول عكس ذلك لا يعرف التوازنات.
وتراقب موسكو الوضع اللبناني بأدق تفاصيله، وتعتبر أنه إذا استمرّ الضغط اللبناني في هذا الملف فقد تحصل عودة محدودة للنازحين، أما بالنسبة إلى إغلاق ملف النزوح نهائياً وعودة نحو مليونَي نازح سوري من لبنان وملايين آخرين موجودين في الأردن والعراق وتركيا فهذا الأمر يحتاج إلى حل سياسي شامل واتفاق دولي لإنهاء هذا الملف، وهذا الأمر لم يحن وقته بعد في ظل ارتفاع منسوب التوتر وانقطاع العلاقات بين واشنطن وموسكو بسبب حرب أوكرانيا.
يساهم أي تقارب دولي في التأثير إيجاباً على ملفات لبنان، لكن حتى الساعة لا يوجد قرار أميركي – روسي لحلّ الأزمة السورية، بل التباعد سيّد الموقف في ظل إقرار الكونغرس الأميركي رزمة مساعدات جديدة لكييف تصل إلى 61 مليار دولار، وهذا ما سيطيل أمد الحرب في أوكرانيا ويدفع العلاقات الدولية إلى مزيد من التوتّرات.
لا تمانع موسكو في حلّ أزمة النازحين السوريين ومساعدة لبنان، وهذا الموقف تنقله الديبلوماسية الروسية إلى وزارة الخارجية اللبنانية، لكن موسكو تعتبر أن من يؤخّر الحلّ أو يدفع إلى الفوضى هو دول الإتحاد الأوروبي، فمنذ اندلاع الحرب السورية سهّلت هذه الدول إغراق لبنان ودول الجوار السوري بالنازحين لاستعمالهم ورقة ضغط، ومن ثمّ دعمت بقاءهم في دول الجوار وموّلت تثبيتهم في المهجر بدل عودتهم، وترفض المشاركة في إعادة إعمار سوريا وتتحرّك لإبقاء النازحين في لبنان والجوار لكي لا يبحروا إلى أوروبا، وبالتالي ترى موسكو أنّ دول الإتحاد الأوروبي هي المسؤولة الأولى عن أزمة لبنان، وفي يدها الحلّ.