على وَقع تضخّم فاتورة استضافة النازحين السوريين، عاد هذا الملف الى الواجهة بقوة، وقد يصبح مادة مواجهة مع المجتمع الدولي اذا استمر في تجاهل شكوى لبنان ومطالبته بتخليصه من أعباء النزوح المُرهقة، على قاعدة «اللي فيه مكَفّيه».
اللافت، انّ النبرة الرسمية أصبحت اكثر ارتفاعاً في الآونة الأخيرة بعدما كان البعض سابقاً يُبالغ في مُداراة المجتمع الدولي ويتفادى «خَدش» مشاعره التي تغدو مُرهفة عندما يتعلق الأمر بالنازحين، بينما تتبلّد حين تتصل المسألة بمعاناة الشعب والدولة اللبنانيَين اللذين لم يعد بمقدورهما تحمّل تبعات هذا الوجود المكلف على كل المستويات.
والمفارقة انه وعلى رغم الانهيار الذي جَرف مؤسسات الدولة وابتلع قدراتها، فإنّ المقاربة الخارجية لقضية النازحين لم تتبدّل ولم تأخذ في الحسبان الواقع الداخلي المستجد منذ تشرين الأول 2019، بل استمرت سياسات تثبيتهم او تشجيعهم على البقاء عبر الأموال والمساعدات التي تُمنح لهم في لبنان، بالترافق مع رفض عودتهم إلا وفق معايير تفوح منها رائحة الاجندات السياسية.
ولئن كانت الحكومة قد دخلت في طور تصريف الأعمال منذ انتهاء الانتخابات النيابية، غير انّ هناك محاولة لإحداث خرق في جدار المراوحة، خلال الوقت الضائع، وذلك على أساس تأمين عودة 15 الف نازح شهرياً، وفق ما أوضح وزير المهجرين عصام شرف الدين أخيراً.
وفيما تواصل اللجنة الوزارية المولجة بمتابعة الملف اجتماعاتها التشاورية والتنسيقية، تفيد المعلومات انّ الوزير شرف الدين سيزور دمشق بعد عيد الأضحى للبحث مع المسؤولين السوريين في تفاصيل الخطة المقترحة لإعادة النازحين. كذلك سيلتقي اليوم السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي، ولاحقاً السفير الروسي في اعتبار انّ موسكو هي الأقدر على تأمين الضمانة الأمنية التي تشكل عنصراً محورياً من عناصر تحفيز النازحين على الرجوع إلى بلادهم.
ويُشار الى انّ الجانب الامني كان قد نوقِش بين شرف الدين والقيادة السورية التي أبدت الاستعداد لتسهيل عودة الجميع، ومن ضمنهم المعارضين، شرط أن لا يكونوا من أصحاب الارتكابات، على أن يوقّع المعارض كتاب تعهّد بعدم الشروع في اي أعمال تخريبية او مُخلّة بالاستقرار.
وعُلم انّ آلية إعادة 15 ألف شخص شهرياً سترتكِز على تحديد عدد النازحين من كل منطقة سورية وأماكن انتشارهم في لبنان، ليتم تنظيم انتقالهم مجتمعين، ضمن الدفعة المقررة في الشهر، الى المنطقة التي نَزحوا عنها بعدما يكون قد جرى ترتيب أماكن إيواء لهم فيها، على قاعدة ضمان العودة الكريمة والآمنة.
ويُفترض ان تتم هذه العملية بالتعاون مع وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية في لبنان، لإعادة نحو 180 الف نازح سنوياً، ما يعني انّ اكتمال رجوع النازحين الى بلادهم وفق الوتيرة المقترحة يحتاج إلى أكثر من سبع سنوات، إلا إذا تمت زيادة العدد شهرياً الى ما فوق 15 ألف.
وهناك من يخشى ان تواجه هذه الخطة عراقيل مفتعلة من بعض المتضررين في الداخل والخارج ربطاً بالمصالح والحسابات السياسية التي لا تزال تتعامل مع قضية النازحين في اعتبارها ورقة ضغط سياسية على سوريا وحلفائها، لم تنته مدة صلاحيتها بعد، بمعزل عن تداعياتها الوخيمة على المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
ويؤكد الوزير شرف الدين لـ»الجمهورية» انه عازم على تفعيل مَسعاه للتعجيل في بدء العودة المنظمة للنازحين، مشدداً على انّ حالة تصريف الأعمال لن تؤثر على زخم تحركه في هذا الإطار.
ويشير الى انه لم يعد مقبولاً استمرار الواقع الراهن الذي يُلقي بظلاله الثقيلة على المجتمع اللبناني المنهَك جرّاء الازمة الاقتصادية، لافتاً الى وجوب الكَف عن إضاعة الوقت، وإيجاد معالجة جذرية لهذه المشكلة ولو على مراحل، «لأنّ عوارضها تتفاقم خصوصاً وسط استمرار نسبة الولادات المرتفعة».
ويوضح شرف الدين انه سيكثّف اتصالاته بالمسؤولين اللبنانيين والسوريين المعنيين بملف النازحين لحسم تفاصيل الخطة المقترحة ومباشرة تنفيذها.
ويلفت الى انّ طَرح عودة 15 ألف شخص شهرياً يرمي الى ان يكون الرقم مقبولاً حتى لا يحصل اي تقصير او قصور في آلية التنفيذ، «علماً انه من الممكن بعد التجربة زيادة العدد اذا وجدنا انّ ذلك لن يشكل ضغطا يتجاوز قدرة الدولتين اللبنانية والسورية».
ويؤكد انه مُكلّف رسمياً بالتنسيق مع الجانب السوري لإنجاح المهمة، بالتعاون مع اللجنة الوزارية، مُحذّراً من انّ كل يوم تأخير ستكون له تَبعاته، «ولذلك لم يعد جائزاً الاسترخاء وكلّ من يَتلكأ عليه ان يتحمل المسؤولية».