صحيح أننا صُدمنا لهول قتل 21 مصرياً قبطياً على يد تنظيم “داعش” الارهابي، وقبلهم الطيار الاردني معاذ الكساسبة، وقبله ايضا عسكر لبنانيون قتلهم التنظيم الارهابي الآخر “جبهة النصرة”، وهالنا مشهد القتل في مكاتب جريدة “شارلي ايبدو” الفرنسية، لكن الكارثة الحقيقية التي دخلت في يومياتنا ولم تعد مثيرة للاهتمام، تكمن في المشهد السوري الداخلي وتداعياته. فالحرب اللبنانية خلفت نحو 200 الف قتيل وجريح ومفقود على مدى 15 عاماً، اما الحرب السورية فأصابت ما يزيد على 200 الف قتيل ونحو 200 الف مصاب في اقل من 4 سنوات، وهي مستمرة وفق وتيرة تصاعدية، وليس ما يوحي بقرب ايجاد تسوية لها، مما يعني مزيدا من الضحايا.
والى القتلى والمصابين، تبرز أزمة اللاجئين والنازحين، وتشير تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن ما يقرب من نصف السوريين (البالغ عددهم نحو 26 مليونا) اضطروا إلى مغادرة ديارهم، والفرار للنجاة بحياتهم، بسبب تعرض السكان في بعض المدن للحصار والجوع، فيما يجري استهداف المدنيين وقتلهم من دون تمييز.
وتشير مفوضية اللاجئين إلى أن واحداً من بين ثمانية سوريين على الأقل، فروا عبر الحدود، وهو ما يزيد تماماً على ثلاثة ملايين شخص، إضافة إلى وجود نحو 6 ملايين و500 ألف نازح داخل سوريا، وأكدت أن أكثر من نصف هؤلاء اللاجئين والنازحين من الأولاد.
وتلفت المفوضية إلى أن الأغلبية العظمى من اللاجئين السوريين ما تزال تتمركز في البلدان المجاورة، حيث يأتي لبنان في المقدمة بنحو مليون و400 ألف، تليه تركيا بنحو مليون، ثم الأردن بنحو 700 الف لاجئ.
لكن معادلة الارقام لا تكفي، لأنها جامدة وجافة، فالكارثة تكمن في الظروف التي يعيش فيها هؤلاء، سواء في بلدان اللجوء او حتى في الداخل السوري، حيث نزحوا ولم تتوافر لهم الاقامة الجيدة، والخدمات الانسانية، بل ان بعضهم يضطر الى النزوح المتكرر وفق سير المعارك.
في لبنان، حلّ الشتاء قاسياً هذه السنة، والثلوج التي قاطعت قممنا العام الماضي، تساقطت بكثافة مصحوبة بعواصف اقتحمت المنازل، وخربت مرافيء للصيادين، ومنتجعات سياحية بحرية، واقتلعت اشجارا، ومعها خيم اللاجئين. المشهد لم يكن انسانيا على الاطلاق، اذ يتفاقم القتل، وهو قتل معنوي، ومعه يبرز عجز لبناني متراكم، يصيب لبنانيين بشظاياه، ويضاف اليه تقصير المجتمعين الدولي والعربي، ومنظمات الاغاثة الاممية عن توفير ادنى مقومات العيش.
ازمة اللاجئين السوريين لا يُسأل عنها اللبنانيون والاردنيون الذين يعانون من اقتصادات نموها يلامس الصفر، بل يُسأل المجتمع العربي اولا بما يملك من امكانات وثروات نفطية، والعالم الاسلامي ايضا الذي يزايد في المواقف، واخيراً الضمير الانساني العالمي.